نشأة البورصة | نشأة الأسواق المالية
تعتبر البورصات وأسواق المال من أكثر الأوعية الاستثمارية أهميةً، ليس في عصرنا الحديث فحسب، ولكن منذ قديم الزمن. ولكن، كيف تطورت أسواق المال، وما مراحل نشأة أسواق المال تلك؟ وكيف تطور مفهوم البورصة حتى وصلنا إلى الشكل الحالي؟ وما مراحل نشأة البورصة ؟ وكيف نشأت البورصة من الاساس؟ في هذا المقال سنسافر بقارئ بورصات في رحلة عبر الزمن؛ كي نقدم له عرضًا وافيًا حول مراحل نشأة الأسواق المالية.
عندما يتحدث الناس عن الأسهم، فإنهم يتحدثون – عادة – عن الشركات المدرجة في البورصات الرئيسيةِ، مثل بورصة نيويورك أو بورصة ناسداك، أو أي بورصة أخرى.
يتم إدراج العديد من الشركات الأمريكية الكبرى في بورصة نيويورك، وقد يكون من الصعب علَى المستثمرين تخيل وجود وقت لم تكن فيه البورصة مرادفًا للأسهم بشكلها الحاليِّ، حيث كانت تعتمد علَى أدوات استثمارية بدائية، سنلقي الضوءَ عليها لاحقًا.
بالطبع لم يكن الأمر كذلك منذ البداية؛ كانت هناك العديد من المراحل في الطريق إلى النظام الحاليِّ للبورصات، وقد لا تصدق عندما تعلم أنَّ البورصةَ الأولى قد تطورت منذ عقود دون تداول سهم واحد فيها.
التجار في مدينة البندقية (فينسيا)
ملأ مقدمو القروض من أوروبا فجوات مهمة، تركتها البنوكُ الكبرى، إذ تداول المقرضون فيما بينهم الديون.
يمكن للمقرض الذي يريد استبدال قرض عالي المخاطر وعالي الفائدة بقرض مختلف مع مقرض آخر. هؤلاء المقرضون اشتروا أيضًا قضايا الديون الحكومية، ومع استمرار التطور الطبيعيِّ لأعمالهم، بدأ المقرضون في بيع قضايا الديون للعملاء والمستثمرين الأفراد.
في القرن الثالث عشر الميلاديِّ، كان التجار الفينيسيون روادًا في هذا المجال، وهم أول من بدأ تداول الأوراق المالية الخاصة بالحكومات الأخرى؛ كانوا يحملون قوائم بمعلومات عن مختلف القضايا المعروضة للبيع، ويبدؤون في الالتقاء بالعملاء، مثلما يفعل الوسطاء اليوم في بعض صالات التداول.
البورصة الأولى كانت دون أسهم
تفخر بلجيكا بامتلاكها بورصة يعود تاريخها إلى عام 1531م في أنتويرب Antwerp، حيث كان يجتمع السماسرة ومُقرضو الأموال هناك للتعامل مع قضايا الديون التجارية والحكومية وحتى الفردية. من المدهش معرفة أنَّ هذه البورصة قد تعاملت فقط في السندات، ولكن في فترة القرن الخامس عشر لم تكن هناك أسهم حقيقية، كان هناك العديد من الشراكات الممولة من رجال الأعمال، والتي كان ينتج عنها الدخل كما نفعل ببعض الأسهم اليوم، ولكن لم يكن هناك نصيب رسميٌّ تم تغييره.
المشاركة في الاستثمار والتأمين علَى رحلات الهند الشرقية
في سبعينيات القرن العشرين، قدمت الحكومات الهولندية والبريطانية والفرنسية جميعها مواثيق لشركات لها رحلات إلى شرق الهند؛ كانت الرحلات البحرية التي تحمل البضائع من الشرق محاطة بالمخاطر بسبب وجود القراصنة، وكانت هناك مخاطر أكثر شيوعًا، مثل: سوء الطقس، وسوء أوضاع الملاحة.
للتقليل من خطر تعرض السفن المفقودة إلى نهب ثرواتها، كان مالكو السفن يعتادون منذ فترة طويلة البحث عن المستثمرين الذين يضخون أموالًا للإنفاق علَى أمثال هذه الرحلات، كتجهيز السفينة والطاقم، مقابل نسبة من الأرباح، في حال نجاح الرحلة.
غالبًا ما كانت هذه الشركات – التي أخذت طابع شركات ذات مسؤولية محدودة – تستمر لرحلة واحدة فقط، ثم يتم تصفيتها بعد ذلك، ويتم إنشاء شراكة جديدة للرحلة التالية.
قام المستثمرون بتوزيع مخاطرهم من خلال الاستثمار في العديد من المشاريع المختلفة في الوقت نفسه، وبالتالي، لعبتْ الاحتمالات ضدهم جميعًا، وأودت بهم إلى كارثة.
عندما تأسست شركات شرق الهند، تغيرت الطريقة التي يُستثمر بها في هذه الرحلات. أصدرت هذه الشركات أسهمًا تدفع أرباحًا علَى جميع الأرباح التي تُكتسب من جميع هذه الرحلات التي قامت بها الشركات، بدلاً من المشاركة لكل رحلة علَى حدة.
كانت هذه هي أولى الشركات مساهمة بالشكل الحديث، وزاد حجم تلك الشركات ببيع المزيد من أسهمها وبناء أساطيل أكبر؛ مما سمح بتحقيق أرباح وفيرة.
اشتر سهمًا وأنت تتناول قهوتك
لأنَّ الأسهم في مختلف شركات شرق الهند كانت تصدر علَى الورق، فقد كان يمكن للمستثمرين بيع الأوراق للمستثمرين الآخرين، ولكن لم يكن هناك بورصة موجودة؛ لذلك، كان يتعين علَى المستثمر البحث عن وسيط لتنفيذ عملية تداول. في إنجلترا قام معظم السماسرة والمستثمرون بأعمالهم في المقاهي المختلفة في جميع أنحاء لندن؛ تمت كتابة عملية إصدار الديون والأسهم المعروضة للبيع ونشرها علَى أبواب المتاجر أو البريد كرسالة إخبارية.
انفجار فقاعة البحار الجنوبية
حصلت شركة الهند الشرقية البريطانية علَى واحدة من كبرى المزايا التنافسية عبر جميع مراحل نشأه أسواق المال؛ وهي احتكار دعَّمته الحكومةُ؛ حيث بدأ المستثمرون في الحصول علَى أرباح ضخمة وبيع أسهمهم مقابل الثروات، وكان المستثمرون الآخرون متعطشين لجزء من هذه الأرباح.
حدثت الطفرة المالية الناشئة في إنجلترا بسرعة كبيرة بحيث لم تكن هناك قواعد أو لوائح لإصدار الأسهم، وظهرت شركة (South Seas (SSC بميثاق مماثل من الملك وأسهمه.
بالإضافة إلى إعادة بيع العديد من إصدارات الأسهم، وكان يتم بيعها بمجرد إصدارها من فرط إقبال المستثمرين عليها، وذلك قبل أنْ تغادر أول سفينة الميناء. استخدمت شركة SSC ثروتها المستثمرة – المكتشفة حديثًا – في فتح مكاتب فاخرة في أفضل مناطق لندن.
بسبب نجاح SSC، وإدراك أنَّ الشركة لم تفعل شيئًا باستثناء إصدار الأسهم؛ فقد اندفع رجالُ أعمالٍ آخرون لإصدار وبيع أسهم جديدة في مشاريعهم الخاصة.
كانت بعض هذه الأسهم مثيرة للسخرية، مثل: إنشاء شركة بغرض استعادة آشعة الشمس من الخضروات، أو الأكثر إثارة للدهشة هو إنشاء شركة تعد المستثمرين بالمشاركة في مشروع بالغ الأهمية، ولكن لا يمكن الكشف عنه!
بالتأكيد، انفجرت الفقاعة عندما فشلت SSC في دفع أي أرباح، مما يبرز الفرق بين إصدارات الأسهم الجديدة هذه وشركة الهند الشرقية البريطانية. تسبب الانهيار التالي في قيام الحكومة بحظر إصدار الأسهم، وهو حظرٌ استمر حتى عام 1825م.
نشأة بورصة نيويورك
تم تأسيس أول بورصة في لندن رسميًّا في عام 1773م؛ أي قبل تسع عشرة سنة من بورصة نيويورك للأوراق المالية، في حين أنَّه تم تقييد بورصة لندن LSE بموجب القانون الذي يقيد الأسهم، هذا، وقد تعاملت بورصة نيويورك في تداول الأسهم، في أفضل وفي أسوأ الظروف، ومنذ إنشائها لم تكن بورصة نيويورك أولى بورصات الولايات المتحدة، بل كانت أولى البورصات الأمريكية – حينئذ – هي بورصة فيلادلفيا، ولكن سرعان ما أصبحت بورصة نيويورك هي الأقوى.
بدأت بورصة نيويورك، التي تشكلت من قبل السماسرة تحت شجرة خشبية، ومقرها في وول ستريت، وأدَّى موقع البورصة، أكثر من أي سبب آخر؛ إلى أنْ تصبح هي البورصة الرئيسيةُ، وهي مكانة حققتها بورصة نيويورك سريعًا.
كان موقع بورصة نيويورك في وول ستريت، في قلب جميع الأعمال التجارية القادمة من وإلى الولايات المتحدة، وكذلك الوجود الكبير لمعظم البنوك والشركات الكبرى؛ فمن خلال تحديد متطلبات الإدراج ورسوم الطلب، أصبحت بورصة نيويورك مؤسسة ثرية للغاية.
واجهت بورصة نيويورك منافسة محلية خطيرة للغاية خلال القرنين التاليين، وارتفعت مكانتها الدولية جنبًا إلى جنب مع الاقتصاد الأمريكيِّ الذي أخذ في الازدهار، وسرعان ما كانت أكثر بورصات العالم أهميةً، كما أنَّها حصلت علَى نصيبها من الصعود والهبوط خلال الفترة نفسها أيضًا. لقد مرَّت بكل الأحوال الاقتصادية الكبرى، بدءًا من الكساد العظيم وحتى تفجير وول ستريت عام 1920م.
علَى المستوى العالميِّ، برزت لندن باعتبارها البورصة الرئيسية في أوروبا، ولكنَّ العديدَ من الشركات التي كانت قادرة علَى الإدراج دوليًّا ما زالت مدرجة في نيويورك، كما طورت العديد من الدول الأخرى – من بينها ألمانيا، وفرنسا، وهولندا، وسويسرا، وجنوب أفريقيا، وهونج كونج، واليابان، وأستراليا، وكندا – بورصاتها أيضًا، وكان يُنظر إليها – إلى حدٍّ كبير – علَى أنها دليل يثبت أنَّ الشركات المحلية تقيد أسهمها في البورصات المحلية حتى تصبح جاهزة للوصول إلى بورصة لندن، ومن بورصة لندن تسعى للقيد في البطولات الكبرى في NYSE. ولا تزال بعض هذه البورصات العالمية تعتبر منطقة خطرة بسبب قواعد الإدراج الضعيفة، والتنظيم الحكوميِّ الأقل تشددًا.
علَى الرغم من وجود أسواق الأوراق المالية في شيكاغو ولوس أنجلوس وفيلادلفيا وغيرها من المراكز الرئيسية؛ إلا إنَّ بورصة نيويورك كانت البورصة الأقوى علَى الصعيدين المحليِّ والدوليِّ، ومع ذلك، ففي عام 1971 ظهرت بورصة جديدة تمثل تحديًا حقيقيًّا أمام هيمنة بورصة نيويورك.
كانت بورصة ناسداك من بين أفكار الرابطة الوطنية لتجار الأوراق المالية NASD – التي تُسمى الآن بهيئة تنظيم الصناعة المالية FINRA – نوعًا مختلفًا من البورصة؛ فلم تشمل طابقًا للتداول أو ما يُعرف بصالة التداول، كما هي الحال مع بورصة نيويورك، وبدلاً من ذلك، فإنَّ هذه البورصة قد بدأت كشبكة من أجهزة الكمبيوتر التي تنفذ عمليات التداول إلكترونيًّا.
وجود البورصات الإلكترونية جعل التداولات أكثر فاعلية، وقلل من فارق السعر بين العرض والطلب؛ فلم تكن بورصة نيويورك تستهدف الربح. أجبرت المنافسة – التي خلقها وجود بورصة ناسداك – بورصة نيويورك علَى التطور، سواء أكان ذلك من خلال إدراج نفسها أم عن طريق الاندماج مع يور ونكست؛ لتشكيل أول بورصة عبر المحيط الأطلسيِّ.
الخلاصةُ
- نشأت أسواق المال عبر مراحل عديدة تشكلت عبر الزمن.
- في البداية تم تداول الديون قبل البدء في تداول الأسهم في مرحلة لاحقة.
- كان لمكان/ لموقع بورصة نيويورك دورٌ رئيسيٌّ في شهرتها.
- بورصة الناسداك المشهورة بأنها بورصة أسهم التكنولوجيا مثلت نقلة في مراحل نشأة الأسواق المالية ، معتمدة كليًّا علَى التكنولوجيا.
تعرّفنا في هذا المثال على نشأة البورصة وكيف وصلت لشلها الحالى، للحصول على العديد من المعلومات الهامة، وللمزيد من المقالات ذات الصلة، يرجى متابعة موقع بورصات