يُعتبر الذهب من أفضل الأصول التي تستخدم مخزنًا للقيمة في العالم. وعلَى مرِّ التاريخ كان الذهب ملاذًا آمنًا للمستثمرينَ، لا سيما في حالات الخوف والقلق اللذين يسيطران علَى العالم بصفة عامة، وعلى أسواق المال بصفة خاصة. ورغم ذلك، لا يمكن اختصار أهمية الذهب في كونه مخزنًا للقيمة فقط، وإنَّما تتضح أهميته أيضًا من حقيقة إمكانية تحويله إلى مجوهرات ذهبية، تعد مصدر سعادة وأمان للكثيرين من الناس. ومن المعروف أن الذهب يتم تسعيره عالميًّا، أي أن سعره غالبًا ما يكون موحدًا في كل دول العالم؛ ولذلك تتأثر أسعاره بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية في العالم، وكثيرًا ما يُلاحظ المتابعون حدوث تحركات عنيفة -صعودًا وهبوطًا- في سعر هذا المعدن النفيس، ومن هنا قد يتبادر إلى أذهاننا تساؤل مهم: متى يرتفع سعر الذهب ومتى ينخفض؟

في هذا المقال سوف نتحدث عن أهم العوامل المؤثرة في سعر الذهب. وأبرزها السياسات النقدية للبنوك المركزية، والبيانات الاقتصادية الأمريكية، وآليات العرض والطلب، والتضخم، وسعر الدولار الأمريكي، وغيرها. وسنناقش باستفاضة كيفية تأثير كل عامل على سعر الذهب. ومنها قد نتوصل إلى إجابة على سؤالنا الرئيسي: متى يرتفع سعر الذهب ومتى ينخفض؟

تاريخ الذهب وأهميته في الاقتصاد

طبقًا لبعض النظريات الحديثة؛ فقد اكتُشف الذهب واستُخرج منذ أكثر من ستة آلاف عام، إلا أن أغراض استخدامه في هذه العصور الغابرة لم تُعرف بعد. ويرجع الفضل إلى المصريين القدماء في تنفيذهم أول عملية لصهر الذهب في عام 3600 قبل الميلاد تقريبًا. ومنذ ذلك الحين تعددت استخدامات الذهب. غير أن أكثر استخداماته شيوعًا على مر التاريخ كانت في المعاملات التجارية، فقد كانت القطع الذهبية تُدفع رواتبًا للجنود، وفي المقايضة مقابل بعض السلع، كالأغذية والملبس. ومع ذلك، استُخدم الذهب أيضًا في صنع الأسلحة والتماثيل والزخرفة.

وبمرور الزمن، ظهرت المجوهرات الذهبية بعد أن صاغ الإنسانُ مشغولات ذهبية في بلاد ما بين النهرين، كغطاء رأس للدفن مصنوع من اللازورد والخرز العقيقيِّ والمعلقات الذهبية على شكل أوراق شجر.

في العصر الحديث، جرى البحث عن الذهب، ليس لأغراض الاستثمار وصنع المجوهرات فقط، ولكن لأنه يستخدم في تصنيع بعض الأجهزة الإلكترونية والطبية أيضًا.

وبالرغم من قدم هذا المعدن النفيس وعمق جذوره تاريخيًّا؛ فإن عمليات تعدين الذهب تُعد حديثة نسبيًّا، إذ ترجع إلى القرن السادس عشر الميلادي فقط، عندما تم استعمار دول أمريكا الجنوبية والوسطى، وحينها نقب المستعمرون الأوربيون عن الذهب واستخرجوه ونقوه قبل نقله إلى أوربا.

وحدة وزن الذهب هي “الأوقية” أو “الأونصة” Ounce (أوقية الذهب الواحدة تُعادل حوالي 31.1034 جرام)، مع العلم أن مقدار الأوقية –بالجرام- يختلف باختلاف الموزون، سواء كان معادن أو سلعًا (على سبيل المثال، مقدار أوقية الفضة بالجرام يختلف عن مقدار أوقية الذهب، وكذلك النحاس والحبوب وغيرها). وقد وصل سعر الذهب إلى أعلى مستوياته تاريخيًّا في سبتمبر 2020، عندما تخطى سعر الأوقية حاجز الـ 2033 دولارًا. بيد أنه ما لبث أن تراجع ليتداول حول مستويات 1700- 1900 دولار للأوقية في النصف الأول من عام 2021. وإذا ما وضعنا في اعتبارنا ارتفاع سعر أوقية الذهب من مستويات 300 دولار قبل خمسين عامًا، سنجد أنفسنا مُجددًا أمام السؤال نفسه: ما العوامل التي تدفع سعر هذا المعدن الثمين إلى الارتفاع مع مرور الوقت؟

العوامل التي تؤثر في أسعار الذهبِ

هناك عوامل كثيرة تؤثر في أسعار الذهب، على رأسها سياسات البنوك المركزية، وآليات العرض والطلب، وكذلك توجهات المستثمرين، وسعر صرف الدولار الأمريكي، وغيرها. ومع ذلك، تتباين هذه العوامل من حيث تأثيرها الفعلي على سعر الذهب، حيث يؤدي بعضها إلى ارتفاع سعر المعدن النفيس، بينما يؤدي بعضها الآخر إلى انخفاضه. إذن؛ ما هو المحرك الحقيقي لأسعار الذهب؟

1- السياسة النقدية للبنوك المركزية Monetary policy

تُعد السياسة النقدية للبنوك المركزية من أبرز العوامل المؤثرة في سعر الذهب، ويأتي على رأس هذه البنوك بنك الاحتياطيُّ الفيدراليُّ الأمريكي Federal Reserve، والذي يُسيطر فعليًّا على اتجاهات المعدن النفيس في الأسواق العالمية، فعندما يتجه الفيدراليُّ الأمريكي نحو زيادة نسبة الذهب في الاحتياطيِّ النقديِّ؛ يرتفع سعر الذهب مباشرة في الأسواق استجابة للطلب المتزايد عليه.

ومن المعروف أنَّ البنوك المركزية في كل بلد تحتفظ باحتياطات نقدية، تتمثل في العملات الورقية والذهب. وعندما تقرر البنوك المركزية تدعيم الاحتياطيَّ النقديَّ من خلال شراء المزيد من الذهب، يؤدى هذا إلى زيادة الطلب علَى الذهبِ، وعليه ترتفع أسعاره.

على سبيل المثال، ذكرت وكالة بلومبرج Bloomberg أنَّ البنوكَ المركزيةَ العالميةَ قد اشترت في عام 2018 أكبر كمية من الذهب، وذلك منذ أن تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن معيار الذهب في عام 1971. كذلك، كانت تركيا أكبر مشترٍ للذهب عام 2019 لأغراض تدعيم الاحتياطيِّ، تلتها روسيا وبولندا والصين. وإجمالًا، فقد اشترت الحكومات ما مجموعه 656 طنًّا، و651 طنًّا من الذهبِ، في العامين 2018 و2019 على التوالي، وفقًا لتقرير بلومبرج. هذا الأمر كان كفيلًا بوصول أسعار الذهب إلى مستويات قياسية غير مسبوقة في العامين 2018 و2019.

أسعار الفائدة Interest Rates

وبالمثل، فإن أسعارُ الفائدةِ Interest Rates لها تأثير كبير علَى أسعار الذهبِ؛ بسبب ما يعرف بـ “تكلفة الفرصة البديلة” Opportunity Cost. وتكلفة الفرصة البديلة تعني التخلي عن استثمار شبه مضمون (مثل الاستثمار في السندات) مقابل احتمال تحقيق مكسب أكبر في استثمار آخر، ونقصد به هنا الاستثمار في الذهبِ.

ونظرًا لبقاءِ أسعارِ الفائدةِ بالقربِ من أدنى مستوياتها التاريخية خلال الأعوام الأخيرة؛ فإنَّ السنداتِ تحقق عائدًا يعتبر أقل من معدل التضخم، وهو ما يعنى أنَّ الأرباحَ التي تأتى للمستثمر نتيجة استثماره في السندات، تكون أقل من الزيادة الناجمة عن التضخم، ومن ثَمَّ فهو استثمار يُخفض القيمة الشرائية للنقود؛ ولهذا السبب قد تتجه الأموال إلى الاستثمار في الذهبِ.

في هذه الحالة يكون الذهب بمنزلة فرصة استثمارية جذابة. وعلى الرغم من أن عائده صفر%، فإنه –باعتباره مخزنًا للقيمة- أفضل من السندات التي أصبح عائدها ضعيفًا.

العكس تمامًا يحدث عند ارتفاع سعر الفائدة، ففي حالِ ارتفاع أسعار الفائدة، سيكون العائد على السندات مضمونًا وجيدًا، وعليه يكون من غير المرجح المخاطرة بتركه والاتجاه نحو الذهبِ.

وفي السياق ذاته، يمكن لبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تحريك أسعار الذهب من خلال إصدار البيانات المتعلقة بأسعار الفائدة وغيرها من السياسات النقدية. ففي الولايات المتحدة الأمريكيةِ، يعقد البنكُ الفيدراليُّ اجتماعًا كل ستة أسابيع، حيث تجري مناقشة أداء الاقتصاد الأمريكيِّ، وتقرير السياسة النقدية المستقبلية. إذا اتخذت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة FOMC موقفًا يشير إلى أنَّ أسعارَ الفائدة قد ترتفع في المستقبل القريب؛ فإن سعرَ الذهبِ يتفاعل بشكل سلبيٍّ ويتجه إلى الانخفاض.

وكما سبق وأشرنا، فإنَّ تكلفة الفرصة البديلة ترفع من درجة الاستغناء عن الأصولِ التي تحقق عائدًا مضمونًا. ومع ذلك، إذا ألمحت اللجنةُ الفيدراليةُ للسوق المفتوحة (FOMC) إلى استقرار أسعارِ الفائدة؛ فإنَّ أسعارَ الذهبِ تميل إلى الارتفاع؛ نظرًا لأنَّ تكلفة الفرصة البديلة للتخلي عن الأصول المعتمدة ذات الفائدة بدلًا من الذهب تظل منخفضة.

السياسة النقدية للبنوك المركزية

2- البيانات الاقتصادية الأمريكية  U. S Economic data

العنصرُ الثاني المؤثرُ في أسعارِ الذهبِ هو البيانات الاقتصادية الأمريكية. ذلك أن البيانات الاقتصادية، مثل: تقارير الوظائف، وبيانات الأجور، وبيانات التصنيع، والبيانات الأكثر أهمية؛ كنمو الناتج المحليِّ الإجماليِّ GDP Growth؛ تؤثر علَى قرارات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطيِّ الفيدراليِّ، والتي يمكن أنْ تؤثر بدورها علَى أسعارِ الذهبِ.

وعلى الرغم من قوة الاقتصاد الأمريكي، بالنظر إلى: انخفاض معدلات البطالة، ونمو الوظائف، والتوسع الكبير في الصناعات التحويلية، ونمو الناتج المحليِّ الإجماليِّ بما يزيد عن 2% سنويًّا، فإنه يؤدى لدفع أسعار الذهب نحو الانخفاض. ما تفسير ذلك؟

  • إن النمو الاقتصاديّ القويّ يعني أنَّ بنكَ الاحتياطيَّ الفيدراليَّ يمكن أنْ يتخذ خطوات لتعزيز السياسة النقدية، مما يؤثر علَى مفهوم الفرصة البديلة الذي سبق شرحه. بمعنى، في ظل المناخ الاقتصادي الجيد، ليس من المرجح التخلي عن الاستثمارات المضمونة مقابل الاستثمار في الذهب.
  • من ناحية أخرى فإنَّ ضعفَ نمو الوظائف، وارتفاع معدلات البطالة، وضعف بيانات التصنيع، ونمو الناتج المحليِّ الإجماليِّ بمعدل ضعيف؛ يمكن أن يدفع البنكَ الاحتياطيَّ الفيدراليَّ إلى الحذر بشأن رفع أسعار الفائدةِ، الأمر الذي يدفع أسعار الذهب إلى الارتفاع.

البيانات الاقتصادية Economic data

3- العرض والطلب Supply and Demand

مثل أي سلعة أو خدمة أخرى، تتأثر أسعار الذهب بالعرض والطلب. فزيادة المعروض من الذهب مع حجم طلب ضعيف يؤدى إلى انخفاض سعره، والعكس صحيح. فنقص المعروض من الذهب وزيادة الطلب عليه يؤدي إلى ارتفاع السعرِ.

وفقًا لمجلس الذهب العالميِّ World Gold Council، فقد ارتفع الطلبُ العالمي علَى الذهبِ خلال النصف الأول من عام 2016 بنسبة 15% ليصل إلى 2335 طنًّا، مع ارتفاع الطلب علَى الاستثمار بنسبة 16%، ليصل إلى أعلَى مستوياته منذ عام 2009.

ومع ذلك، فقد ارتفع المعروض من الذهب بنسبة 1% فقط خلال النصف الأول من عام 2016، والذي كان يمثل أبطأ معدل نمو للمعروض منذ النصف الأول من عام 2008. لذلك، كان تزايد الطلب وتباطؤ العرض سببًا مباشرًا في ارتفاع أسعار الذهب في ذلك العام (2016).

4- إنتاج الذهب Gold Production

القوى الفاعلة الرئيسية في تعدين وإنتاج الذهب على مستوى العالم هي: الصين، وجنوب إفريقيا، والولايات المتحدة الأمريكية، وأستراليا، وروسيا، وبيرو. وبطبيعة الحال يؤثر حجم إنتاج الذهب في العالم علَى سعر الذهب، وهذا مثالٌ آخر علَى تلبية الطلب عبر زيادة العرض: بلغ إنتاج مناجم الذهب حوالي 3260 طنًّا في عام 2018، بزيادة بلغت 2400 طنّ مقارنة بعام 2010. ومع ذلك، وعلَى الرغم من هذه الزيادة الكبيرة خلال عشر سنوات، فإنَّ إنتاجَ الذهبِ لم يتغير بشكل كبيرٍ منذ عام 2016.

أحد الأسباب هو أنَّ الذهب القريب من سطح الأرض “الذهب الذي يسهل الوصول إليه” قد تم استخراجه وتعدينه بالفعل، وأصبح يتعين على عمال المناجم الحفر على أعماق أبعد للوصول إلى احتياطيات الذهب عالية الجودة، الأمر الذي يتطلب جهودًا وكلفة أعلى. ومع وضعنا في الاعتبار أن الذهب يرتبط بصعوبة الوصول إليه وتعدينه، فإنَّ ذلك يخلق مشكلات إضافية، منها: تعرض عمال المناجم لأخطار إضافية، وزيادة التأثير البيئيُّ؛ مما يعنى أنه يتوجب دفع الكثير من المال للحصول علَى كميات قليلة من الذهب بسبب هذه المشاكل المتعلقة بالتعدين. وهذا يُزيد من تكاليف إنتاج مناجم الذهب، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى ارتفاع أسعار الذهبِ.

5- التضخم Inflation

العامل الخامس الذي يمكن أن يؤثر في أسعارِ الذهبِ هو التضخم، والذي يعني مُعدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة. وعلى الرغم من عدم وجود ما يؤكد وجود علاقة مُحددة بين أسعار الذهب ومعدلات التضخم؛ فإنه من الشائع أن:

  • ارتفاع معدلات التضخم قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الذهب.
  • انخفاض معدلات التضخم (أو الانكماش Deflation) يؤدي إلى هبوط أسعار الذهب.

في بعض الحالات يكون التضخم علامةً علَى النموِّ والرخاء الاقتصاديِّ. وعندما ينمو الاقتصاد ويتوسع، فإنَّ مجلس الاحتياطيَّ الفيدراليَّ يميل إلى زيادة المعروض النقدي Money Supply، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تقليل قيمة الأوراق النقدية المتداولة، مما يجعل شراء الأصول التي تمثل مخزنًا للقيمة، مثل الذهب؛ أكثر تكلفة. وهذا هو السبب في أنَّ برامج التيسير الكميِّ Quantitative Easing Programs التي تؤدي إلى توسع المعروض النقديَّ بسرعة؛ تعتبر إيجابيةً بالنسبة لأسعار الذهب الفعلية، حيث تدفعها إلى الارتفاع.

هناك أوقات تكون فيها معدلات التضخم معتدلة نسبيًّا أو منخفضة (أعلى بقليل من 1%). هذا الانخفاض في معدلات التضخم يُعد من العوامل التي تُجبر الاحتياطيَّ الفيدراليَّ علَى عدم رفع أسعار الفائدة علَى الإقراض، غير أن ذلك يؤدي أيضًا إلى تراجع أسعار الذهب، والتي عادةً ما تجد في بيئة التضخم المتصاعدة أفضل فرص الصعود. ومن ذلك يتضح أن الشد والجذب بين أسعار الفائدة والتضخم، يمكن أن يؤديا دورًا مؤثرًا في أسعار الذهبِ.

6- سعر صرف الدولار الأمريكيِّ

يُعد الدولار الأمريكي من أهم العوامل المؤثرة في سعر الذهب. وبشكل عام، يتحرك الذهب في اتجاه معاكس لحركة الدولار الأمريكيِّ؛ ذلك نظرًا لأنَّ سعر الذهب (شأنه شأن الكثير من السلع العالمية الأخرى) مقيَّم بالدولار، مما يحفز علَى الشراء عندما يكون الدولار أضعف. ومن ثَمَّ:

  • عندما يكون الدولار الأمريكي قويًّا، فهذا معناه أنَّ سعر الذهب ينخفض.
  • والعكس، عند انخفاض سعر الدولار، فإنَّه يكون من المرجح ارتفاع سعر الذهب.

وخير دليل على هذا الأمر أن سعر المعدن النفيس يأخذ منحًى تصاعديًّا منذ عام 2016، وفي هذا العام تحديدًا بدأ الدولار الأمريكي موجة من الانخفاض، ما دفع سعر الذهب إلى الصعود بقوة.

ونتيجة لذلك، غالبًا ما يُنظر إلى الذهب على أنه أداة تحوط ضد التضخم. فإذا ما وضعنا في اعتبارنا أن التضخم يحدث عندما ترتفع الأسعار، فإنه وبالطريقة نفسها يتواكب ارتفاع الأسعار مع انخفاض قيمة الدولار. ومع ارتفاع التضخم، يرتفع سعر الذهب أيضًا.

7- صناديق الاستثمار في الذهبِ ETFs

من بين أبرز العوامل المؤثرة في سعر الذهب، تأتي صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة Electronic-Traded Funds أو (ETFs)، والتي تلعب دورًا كبيرًا في زيادة الطلب على الذهب، إذ تحتفظ به، بل وتصدر أسهمه للمستثمرين، والذين بدورهم يقومون بتداولها لغرض الربح.

أكبر صندوق يستثمر في الذهبِ هو صندوق SPDR Gold Shares ، حيث بلغ إجمالي ما يحتفظ به من ذهب نحو 915 طنًّا، في أواخر عام 2019. وهذا الصندوق يقوم بشراء وبيع السبائك الذهبية بناءً على طلب المستثمرين. ولكن، مع تغير الطلب الاستثماري على الذهب، يمكن أن يتأثر سعر المعدن بنشاط صناديق الاستثمار المتداولة في الشراء والبيع. على سبيل المثال، تزايدت التدفقات النقدية الواردة إلى صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب عام 2016، مما تسبب في زيادة النشاط الشرائي للذهب من جانب هذه الصناديق أيضًا. ومن المؤكد أن يكون لنشاط الشراء هذا تأثير إيجابي على سعر الذهب، ودفعه إلى الارتفاع.

وإجمالاً، تمثل مشتريات الذهب من قبل جهات الاستثمار حوالي 25٪ من إجماليِّ الطلب علَى الذهبِ، حسب أرقام مجلس الذهب العالميِّ.

وهنا تجدر الإشارة إلى وجود بعض صناديق الاستثمار المتداولة التي تمتلك كميات فعلية ضخمة من الذهب –على غرار SPDR Gold Shares- وأيضًا توجد بعض الصناديق التي تمتلك أسهمًا في شركات التعدين بدلًا من امتلاكها الذهب نفسه.

ارتفاع أسعار الذهب

8- المجوهرات في جميع أنحاء العالم والطلب الصناعيّ

في عام 2019، شكلتِ المجوهراتُ الذهبيةُ Jewelry نصفَ الطلبِ علَى الذهبِ تقريبًا، والذي بلغ إجماليه أكثر من 4400 طن وفقًا لمجلس الذهب العالميِّ. وتعد الهند، والصين، والولايات المتحدة الأمريكية من كبرى الدول المستهلكة للمجوهرات الذهبية على مستوى العالم من حيث الحجم.

ومن ناحية أخرى، فإن الطلب علَى الذهب بغرض استخدامه في التكنولوجيا، والاستخدامات الصناعية الأخرى، يمثل نحو 5% فقط من حجم الطلب العالمي على الذهب، حيث يتم استخدامه في تصنيع الأجهزة الطبية، مثل الدعامات، ويدخل أيضًا في صناعة الإلكترونيات الدقيقة.

لهذا، يمكن أنْ تتأثر أسعارُ الذهبِ بواحدة من أهم النظريات أو المفاهيم الاقتصادية الأساسية، ألا وهو مفهوم العرض والطلب؛ فمع ارتفاع الطلب علَى المعدن النفيس لاستخدامه في تصنيع السلع الاستهلاكيةِ، مثل: المجوهراتِ، والإلكترونيات؛ فإنَّ ذلك قد يؤدي إلى ارتفاع سعر الذهبِ.

9- حالات عدم الاستقرار السياسيِّ والاقتصاديِّ

ليست هناك عوامل أو أمثلة محددة يمكن إدراجها هنا كنماذج على حالات عدم اليقين Uncertainty التي يمكن أنْ تحرك سعر الذهب. ولكن، وبشكل عام، يمكن القول إن حالات عدم اليقين السياسي وعدم الاستقرار تُعد أفضل مثالٍ لذلك؛ إذ أنه من الشائع القول بأن سوق الأوراق المالية تحب اليقين، وعلَى النقيض فإنَّ اليقين هو عدوٌ لأسعار الذهبِ.

إنَّ عدمَ معرفة ما ستؤول إليه الأمور عقب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبيِّ، أو من سيصبح الرئيس القادم للولايات المتحدة، وما إذا كان ممكنًا التعامل مع الأوضاع المُتأزمة في الشرق الأوسط؛ كلها عوامل تسهم في شيوع حالة من عدم اليقين بشأن النموِّ الاقتصادي العالميِّ. ومن ثَمَّ تكون هذه الضبابية من العوامل المساعدة علَى ارتفاع أسعار الذهبِ. ولذلك، يُنظر إلى الذهب علَى أنه أداة حماية خلال فترات عدم الاستقرار السياسيِّ.

خلال أوقات عدم وضوح الرؤية الاقتصادية، كما يحدث في أوقات الركود الاقتصاديِّ؛ يلجأ عددٌ كبيرٌ من الناسِ إلى الاستثمار في الذهب؛ بسبب قيمته الثابتة، حيث يعتبر الذهب ملاذًا آمنًا للمستثمرين خلال الأوقات المضطربة. والأمر نفسه عندما تنخفض العوائد المتوقعة أو الفعلية علَى السندات والأسهم والعقارات، فحينها يزداد الاهتمام بالاستثمار في الذهب، مما يؤدي إلى ارتفاع سعره. كما يمكن استخدام الذهب أداةَ تحوطٍ للحماية من الأحداث الاقتصادية، مثل: انخفاض قيمة العملة أو التضخم.

وعليه، فإنَّه يتضح أنَّ الذهبَ يوفر عنصر الأمان للأفراد والحكوماتِ، في حالات اضطراب الأسواق، والتوترات السياسية والاقتصادية.

ومع ذلك، يجب الوضع في الاعتبار أنَّ حالة عدم اليقين ليست إحصائية قابلة للقياس مثل العديد من العوامل الأخرى سالفة الذكر، والتي تؤثر على سعر الذهب، بل إنها عامل نفسي تمامًا يعتمد على المستثمر، ويمكن أن يختلف من حدث إلى آخر.

متى يرتفع سعر الذهب؟

بناءً على ما سبق عرضه، يمكن إيجاز العوامل التي تُساعد على ارتفاع سعر الذهب في النقاط الآتية:

  1. يرتفع سعر الذهب عندما تقرر البنوك المركزية زيادة نسبة الذهب في الاحتياطيِّ النقديِّ لديها.
  2. عند صدور بيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة، مثل زيادة معدل البطالة أو انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ينظر المستثمرين إلى الاقتصاد نظرة تشاؤمية، ولهذا يرتفع سعر الذهب.
  3. على غرار أي سلعة أخرى، يتأثر سعر الذهب بالعرض والطلب عليه؛ ولهذا يرتفع سعر الذهب عند نقص المعروض مع زيادة حجم الطلب عليه.
  4. يتأثر سعر الذهب بحجم الكميات التي يتم استخراجها وتعدينها منه، فعندما تكون هذه الكميات قليلة؛ يرتفع سعر الذهب.
  5. غالبًا ما يقترن ارتفاع معدلات التضخم بارتفاع سعر الذهب.
  6. نظرًا لأن سعر الذهب مقيَّم بالدولار الأمريكي، فإن سعر الذهب يرتفع كلما انخفض الدولار الأمريكي.
  7. تزايد عمليات شراء الذهب لأغراض الاستثمار، وخاصة من جانب صناديق الاستثمار المتداولة الكبيرة، يمثل عاملًا آخر يكمن وراء ارتفاع سعر الذهب.
  8. كلما زاد الطلب على المجوهرات الذهبية، مال سعر الذهب إلى الارتفاع، باعتبار أن ذلك من مكونات الطلب.

متى ينخفض سعر الذهب؟

وبالمثل، يمكن إيجاز العوامل التي تُساعد على انخفاض سعر الذهب في النقاط الآتية:

  1. ينخفض سعر الذهب عند عزوف البنوك المركزية عن إضافة كميات منه إلى الاحتياطيِّ النقديِّ لديها.
  2. عند صدور بيانات اقتصادية أمريكية قوية ومُحفزة، مثل انخفاض معدلات البطالة أو زيادة الناتج المحلي الإجمالي، وهنا ينظر المستثمرين إلى الاقتصاد بثقة، ومن ثم ينخفض سعر الذهب.
  3. عوامل العرض والطلب؛ إذ ينخفض سعر الذهب بزيادة المعروض منه وانخفاض الطلب عليه.
  4. إذا كان حجم الإنتاج أكبر من حجم الطلب العالمي، فإن سعر الذهب ينخفض.
  5. تقترن معدلات التضخم المنخفضة بانخفاض سعر الذهب.
  6. ينخفض سعر الذهب تزامنًا مع ارتفاع الدولار الأمريكي، وذلك بالنظر إلى أن سعر الذهب مقيّم بالدولار.
  7. ينخفض سعر الذهب أيضًا بتناقص الطلب عليه من جانب صناديق الاستثمار المتداولة.
  8. في حال عزوف المستهلكين الرئيسيين للمجوهرات الذهبية، كالهند والصين والولايات المتحدة، عن اقتناء كميات كبيرة، ينخفض سعر الذهب مباشرة.

وأخيرًا، فإن الطلب علَى الذهبِ، وكمية الذهب في احتياطيات البنوك المركزيِّة، وقيمة الدولار الأمريكيِّ، والرغبة في الاحتفاظ بالذهب كغطاء ضد التضخم، وانخفاض قيمة العملة؛ كلها عوامل تساعد علَى تحريك سعر المعدن الثمين؛ سواءً بالارتفاع أو بالانخفاض.

الخلاصةُ

  • يُعد الذهب من أفضل الأصول التي تستخدم مخزنًا للقيمة في العالم، وعلَى مرِّ التاريخ كان الذهب ملاذًا آمنًا للمستثمرينَ.
  • تم اكتشاف الذهب واستخراجه منذ أكثر من ستة آلاف عام، ويرجع الفضل إلى المصريين القدماء في قيامهم بأول عملية لصهر الذهب في عام 3600 قبل الميلاد تقريبًا.
  • الذهب سلعة عالمية، لذلك يتم تسعيره عالميًّا، أي أن سعره غالبًا ما يكون موحدًا في كل دول العالم. ولذلك تتأثر أسعاره بالمتغيرات الاقتصادية والسياسية في العالم
  • وحدة وزن الذهب هي “الأوقية” أو “الأونصة” (أوقية الذهب الواحدة تُعادل حوالي 31.1034 جرام).
  • العوامل التي تؤثر في أسعار الذهب:
  1. السياسة النقدية للبنوك المركزية.
  2. البيانات الاقتصادية الأمريكية.
  3. آليات العرض والطلب.
  4. حجم إنتاج الذهب.
  5. التضخم.
  6. سعر الدولار الأمريكي.
  7. صناديق الاستثمار في الذهب.
  8. المجوهرات في جميع أنحاء العالم، والطلب الصناعي على الذهب.
  9. حالات عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.

الآن، وقد تحدثنا عن العوامل التي تحدد متى يرتفع سعر الذهب ومتى ينخفض.. في رأيك عزيزي القارئ: هل سيظل الذهب في المستقبل مخزنًا فريدًا للقيمة؟ أم أنَّ المستقبلَ ربما يكون له رأيٌ آخر؟ بورصات تنتظر رأيك، وتشاركك شغفك.