ما هي العملات المرتبطة بالذهب؟
يُعد الدولار الأمريكي من أكثر العملات المرتبطة بالذهب بشكل عام؛ إذ توجد هناك علاقة عكسية بين الذهب والدولار الأمريكي. فعادة عندما يرتفع الدولار ينخفض الذهب، والعكس صحيح. ويرجع ذلك لأسباب عديدة تتعلق بمعدلات النمو الاقتصادي، وأسعار الفائدة وغير ذلك
وتتسم الأسواق المالية بالديناميكية الشديدة، بحيث يتأثر بعضها ببعض بدرجات مختلفة، وكذلك ترتبط بالسلع المختلفة. ومن هنا يجب الإشارة إلى أن أسعار الذهب ترتبط بعلاقة وطيدة بأسعار صرف كثير من العملات، بخلاف الدولار الأمريكي.
كما تلعب أسعار الذهب دورًا كبيرًا في تحديد قيمة العملات، سواء من خلال امتلاك أغلب البنوك المركزية حول العالم احتياطيات كبيرة من الذهب؛ تستخدمها أحيانا للتلاعب بقيمة عملات الدول التابعة لها، أو من خلال تعديل أسعار الفائدة. .
وسوف نتناول في هذا المقال أهم العملات المرتبطة بالذهب؛ حيث إن فهم الارتباط أو العلاقة بين الذهب وزوج من العملات – بحيث يكون الدولار الأمريكي في الغالب أحد هاتين العملتين – قد يساعد المتداولين أو المستثمرين على اتخاذ القرار المناسب بشأن توجيه استثماراتهم بشكل صحيح.
وسنشرح كيفية تأثير السياسات النقدية على سعر الذهب. وكذلك نوع الارتباط بين الذهب وبعض العملات العالمية المهمة، كالدولار الأمريكي، والدولار الأسترالي، والجنيه الإسترليني.
أولًا: الذهب من أهم المعادن الثمينة في العالم
يعد الذهب واحدًا من أهم المعادن الثمينة في العالم نظرًا لندرته النسبية وأهميته التاريخية. وينظر إليه الكثيرون على أنه ملاذ آمن Safe Haven ومخزن أو مؤشر للقيمة Proxy for Value.
كما يصفه البعض “بالمعدن الأبدي” كون بريقهُ وتكوينه يصمد بوجه الزمن ومتغيرات الطبيعة ولا يتغير.
كذلك يعد الذهب من أكثر السلع المتداولة؛ حيث يمكن تداوله على نطاق واسع بين شرائح مختلفة، تتدرج من الأفراد العاديين إلى البنوك المركزية والشركات الكبرى متعددة الجنسيات على مستوى العالم.
ويستخدم الذهب وسيلةً للتحوط Hedging في حالات:
- ارتفاع معدلات التضخم Inflation.
- ضعف الدولار الأمريكي.
كما تتنوع أغراض تداول الذهب، حيث:
- يمكن استخدامه وسيلةً للتبادل النقدي في تجارة السلع المختلفة.
- تستخدمه البنوك المركزية للتحكم في قيمة عملاتها، سواءً بالارتفاع أو الانخفاض؛ لأسباب تتعلق بالصادرات.
ثانيًا: العوامل المؤثرة على أسعار العملات
يتم التأثير على أسعار العملات من خلال العديد من العوامل بما في ذلك:
- العرض والطلب Supply & Demand.
- التقلبات السياسية.
- أسعار الفائدة Interest Rates.
- عمليات المضاربة Speculation.
- النمو الاقتصادي Economic Growth.
ثالثًا: تأثير السياسة النقدية على أسعار الذهب
بطبيعة الحال، تؤثر السياسة النقدية Monetary Policy بشكل مباشر على أسعار الذهب العالمية، خاصة السياسات النقدية للدول الكبرى، والتي تمتلك احتياطيات ضخمة من المعدن النفيس، وترتبط عملاتها أيضًا بالذهب، على غرار الولايات المتحدة وأستراليا.
ويتضمن تأثير السياسة النقدية على أسعار الذهب ما يلي:
(1) تأثير خفض الفائدة على أسعار الذهب
تُظهر تحليلات مجلس الذهب العالمي World Gold Council أن أسعار المعدن الأصفر ترتفع في الغالب عند تحول الفيدرالي الأمريكي U. S. Fed من موقف متشدد بشأن السياسة النقدية إلى موقف محايد، حتى وإن لم يحدث هذا الارتفاع بشكل فوري.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في مارس من العام 2020 بخفض أسعار الفائدة بصورة طارئة لوقف نزيف الأسواق جراء تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19، حيث دفع هذا الخفض -الذي وصلت نسبته إلى 0.5%- إلى ارتفاع سعر أوقية الذهب بنحو 50 دولارًا، ليصل سعر الأوقية إلى 1645دولارًا.
(2) استخدام احتياطيات الذهب للتلاعب بسعر صرف العملات
يعد الذهب بمنزلة عملة إحتياطي عالمية Global Reserve Currency، حيث تواصل البنوك المركزية في العالم مساعيها نحو حيازة أكبر كمية من المعدن الأصفر كونه مستودعًا للقيمة، تستخدمه أحيانا لتأمين عملاتها في مواجهة الدولار.
ويقوم البنك المركزي الأوروبي ECB على وجه الخصوص بإغراق السوق بأطنان من احتياطي الذهب لتقليل قيمة الدولار الأمريكي، ومن ثم رفع سعر اليورو.
رابعًا: الدولار الأمريكي على رأس العملات المرتبطة بالذهب Gold-USD correlation
نظرًا لأن الاقتصاد الأمريكي يعد أقوى اقتصادات العالم على الإطلاق، فإن الدولار يعد بدوره ملاذًا آمنًا لدى الكثير من المستثمرين، خاصة من غير الأمريكيين.
ولهذا السبب، تحظى سندات الخزانة الأمريكية U. S. Treasury Bonds بإقبال واسع من المستثمرين الراغبين في استثمار رؤوس أموالهم بصورة آمنة تحقق لهم عائدات كبيرة.
الشكل أدناه يوضح العلاقة بين سعر صرف الدولار الأمريكي وفقًا لمؤشر داو جونز المحدد لسعر الدولار وبين أسعار الذهب في الفترة 2014 – 2015:
شكل رقم (1): العلاقة بين أسعار الذهب وسعر صرف الدولار الأمريكي
غير أن الدولار في الغالب -شأنه شأن معظم العملات الأخرى- يرتبط بعلاقة عكسية (ارتباط سلبي Negative Correlation) مع الذهب. وكما سبق وأشرنا، يستخدم الذهب للتحوط في حالات ارتفاع معدلات التضخم أو ضعف الدولار.
في مثل هذه الحالات يميل المستثمرون في أوقات الأزمات الاقتصادية إلى التخلي عن الدولار لصالح الذهب.
وبطبيعة الحال، يؤدي بيع الدولار إلى تخفيض قيمة العملة نظرًا لزيادة المعروض. أما في حالة ارتفاع الدولار تميل قيمة الأصول أو السلع، ومنها الذهب، إلى الانخفاض.
خامسًا: الارتباط بين العملات وعلاقتها بأسعار الذهب
هناك نوعان من الارتباط بين الذهب وأزواج العملات:
- ارتباط إيجابي Positive Correlation: وفيه يتحرك سعر زوج العملات بطريقة مماثلة أو مشابهة لاتجاه حركة سعر الذهب.
- ارتباط سلبي Negative Correlation: حيث يتحرك سعر زوج العملات بطريقة معاكسة لاتجاه حركة سعر الذهب.
(1) ارتباط سعر الذهب بسعر صرف زوج الدولار الأسترالي والدولار الأمريكي AUD/USD Correlation
يعتبر الدولار الأسترالي من أهم العملات المرتبطة بالذهب ارتباطًا وثيقًا؛ نظرًا لكون أستراليا تعد ثاني أكبر دولة منتجة للمعدن الأصفر في العالم بعد الصين.
وقد بلغ حجم إنتاج أستراليا من الذهب نحو 298 طنًا في عام 2016، مسجلًا أعلى مستوياته في 17 عامًا. ومع تذبذب أسعار الذهب، يؤدي هذا إلى زيادة أو تقليل كمية الأموال المحولة إلى الدولار الأسترالي لإجراء عمليات شراء للمعادن.
وعلى جانب آخر، هناك ارتباط وطيد بين سعر الذهب وسعر صرف زوج الدولار الأسترالي مقابل الدولار الأمريكي AUD/USD. وتكون هذه العلاقة في الغالب طردية (ارتباط إيجابي Positive Correlation).
بمعنى أن ارتفاع أسعار الذهب يقابله ارتفاع في أسعار صرف الدولار الأسترالي مقابل الدولار الأمريكي AUD/USD والعكس صحيح.
يمكننا استنتاج العلاقة بين سعر الذهب وسعر صرف الدولار الأسترالي مقابل الدولار الأمريكي من الشكل التالي:
شكل رقم (2): العلاقة بين أسعار الذهب وسعر صرف الدولار الأسترالي مقابل الدولار الأمريكي
(2) ارتباط سعر الذهب بسعر صرف زوج الفرنك السويسري مقابل الدولار الأمريكي Gold and USD/CHF correlation
شهد الفرنك السويسري مؤخرًا ارتفاعًا كبيرًا في الأسواق، وذلك في ظل الضغوط التي يشهدها اليورو والجنيه الإسترليني على خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست).
وعلى عكس علاقة الذهب الطردية (الارتباط الإيجابي) بسعر صرف زوج الدولار الأسترالي مقابل الدولار الأمريكي، فإن العلاقة بين الذهب وسعر صرف زوج الفرنك السويسري مقابل الدولار الأمريكي علاقة عكسية (ارتباط سلبي).
وبالتالي، عندما يرتفع سعر صرف زوج الدولار الأمريكي مقابل الفرنك السويسري؛ فإن سعر الذهب ينخفض عادة.
ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن سويسرا تحتفظ باحتياطي من الذهب يتجاوز ألف طن، وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي في 2019.
(3) ارتباط سعر الذهب بالجنيه الأسترليني
يعتبر الجنيه الإسترليني ثالث أكبر عملة احتياطي في العالم، بعد الدولار الأمريكي واليورو. كما أنه يعد أيضًا من أبرز العملات المرتبطة بالذهب .
وتشهد علاقة الذهب بسعر صرف الجنيه الإسترليني تقلبًا كبيرًا، زادت حدته مؤخرًا في ظل أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقد اتجه المستثمرون الأيرلنديون -على وجه الخصوص- إلى شراء سبائك الذهب وتخزينها، ليهبط سعر الجنيه الإسترليني، بعد الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016، إلى أدنى مستوياته مقابل الدولار منذ عام 1985.
ومن ثم يحقق الذهب مكاسب اعتبرها كثير من خبراء الاقتصاد تاريخية وغير مسبوقة، على حساب الجنيه الإسترليني.
الشكل التالي يوضح العلاقة بين سعر الذهب وسعر زوج الجنيه الإسترليني/ الدولار الأمريكي:
شكل رقم (3): العلاقة بين سعر الذهب وسعر صرف الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي
ونظرًا لأن الاقتصاد البريطاني يعد واحدًا من أكبر وأقوى عشرة اقتصادات على مستوى العالم، فهناك الكثير من العوامل التي تؤثر على سعر صرف زوج الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي من بينها:
- الطلب الدولي على الجنيه الإسترليني يحكمه بطبيعة الحال قوة الاقتصاد البريطاني مقابل الاقتصاد الأمريكي.
- سياسة بنك إنجلترا المركزي BOE الخاصة برفع أسعار الفائدة أو خفضها.
- تأثير الأحداث السياسية على سعر صرف الجنيه الإسترليني؛ حيث شهدنا انهيارًا للجنيه الإسترليني أمام الدولار الأمريكي بعد تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي.
- تؤثر البيانات الاقتصادية –مثل معدلات التضخم والتوظيف ومبيعات التجزئة- أيضًا على سعر صرف الجنيه الإسترليني.
سادسًا: عمليات التلاعب بالعملات وبعض المقترحات التي تهدف للحد منها
يرى بعض خبراء الاقتصاد أن تداول العملات أصبح مؤخرًا خاضعًا لكثير من عمليات التلاعب، بهدف تحقيق مصالح الدول الكبرى. ويستشهدون على ذلك بما حدث إبان الأزمة التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، لتظهر مقترحات لإنشاء عملات جديدة مرتبطة بالذهب.
وكان من بينها مقترح رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد في يوليو من العام 2019 بإصدار عملة تجارة موحدة لمنطقة شرق آسيا، تكون مرتبطة بالذهب. ومن المتوقع أن تستخدم هذه العملة في تسوية الواردات والصادرات، وليس في التعاملات المحلية.
مقترحات لإصدار عملة جديدة مرتبطة بالذهب
وبعد أن استعرضنا أهم العملات المرتبطة بالذهب والعوامل التي تتحكم في تحديد أسعار صرف تلك العملات ومنها سياسات البنوك المركزية، كان لزامًا أن ندرك أن العملات ما هي إلا مجرد أوراق يمكن التلاعب بقيمتها لخدمة مصالح الدول الكبرى.
في حين أن الذهب أحد المعادن الثمينة التي تعد مخزنًا للقيمة، وقد جرى تداوله في الماضي قبل ظهور النقود، لتظهر مؤخرًا مقترحات بإصدار عملة يتم ربطها بالذهب للتقليل من مخاطر عمليات المضاربة بالعملات.
وقد نشهد في قادم الأيام خطوات فعلية في سبيل تدشين عملة عالمية موحدة، تحد من هيمنة الدولار على بقية العملات العالمية من جهة، وتمنع عمليات التلاعب بأسعار العملات لصالح القوى الاقتصادية الكبرى، أو على الأقل تحد منها من جهة أخرى.
الخلاصة
- تناولنا في هذا المقال طبيعة العلاقة والارتباط بين الذهب والعملات العالمية الكبرى، حيث:
- تساعد معرفة نوع الارتباط بين العملات على تحديد اتجاه الكثير من الأسواق العالمية، ومنها أسواق الذهب والنفط، ومن ثم إمكانية توقع شكل تحركات الأسواق في المستقبل.
- هناك نوعان من الارتباط بين الذهب وأزواج العملات:
- ارتباط إيجابي: وفيه يتحرك سعر زوج العملات بطريقة مماثلة أو مشابهة لاتجاه حركة سعر الذهب.
- ارتباط سلبي: حيث يتحرك سعر زوج العملات بطريقة معاكسة لاتجاه حركة سعر الذهب.
- العلاقة في الغالب تكون عكسية بين كثير من أزواج العملات والذهب؛ نظرًا لكون الأخير الملاذ الآمن ووسيلة التحوط التي يلجأ إليها المستثمرون في حالات ارتفاع معدلات التضخم أو في ظل الأزمات الاقتصادية وانخفاض قيمة العملة.
- ويمكن للبنوك المركزية استخدام السياسة النقدية للتأثير على أسعار الذهب من خلال: حيازة كميات كبيرة من احتياطي الذهب لتأمين عملاتها في مواجهة الدولار. وتحريك أسعار الفائدة.
- أهم العملات المرتبطة بالذهب:
- يأتي الدولار الأمريكي على رأس العملات المرتبطة بالذهب. ونظرًا لأن الاقتصاد الأمريكي يعتبر من أقوى اقتصادات العالم، فإن الدولار يعد بدوره ملاذًا آمنًا لدى الكثير من المستثمرين.
- كذلك، يرتبط الدولار الأسترالي ارتباطًا وثيقًا بالذهب، وذلك نظرًا لكون أستراليا تعد ثاني أكبر دولة منتجة للمعدن الأصفر بعد الصين. ومن ثم نجد أن هناك ارتباطًا وطيدًا بين سعر الذهب وسعر صرف زوج الدولار الأسترالي مقابل الدولار الأمريكي. وتكون هذه العلاقة في الغالب طردية (ارتباط إيجابي).
- وفي المقابل، فإن العلاقة بين الذهب وسعر صرف الفرنك السويسري مقابل الدولار الأمريكي علاقة عكسية (ارتباط سلبي).
- شهد الفرنك السويسرى مؤخرًا ارتفاعًا كبيرًا في الأسواق في ظل الضغوط التي يشهدها اليورو والجنيه الإسترليني على خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
- ظهرت مؤخرًا مقترحات بإصدار عملة يتم ربطها بالذهب للتقليل من مخاطر عمليات المضاربة بالعملات. وقد نشهد في قادم الأيام خطوات فعلية في سبيل تدشين عملة عالمية موحدة، تحد من هيمنة الدولار على بقية العملات العالمية.
للمزيد من المقالات ذات الصلة، يرجى متابعة موقع بورصات.