في ظل تزايد تأثير العولمة واقتصادات يحكمها قانون السوق الحرة، أصبح تدفق رؤوس الأموال بكافة أشكالها بين الدول أكثر سهولة. كما تزايد تأثير ونفوذ الشركات متعددة الجنسيات في الاقتصاد. ولهذا بدأ علماء الاقتصاد يهتمون بدراسة علم التمويل الدولي؛ ذلك الفرع من الاقتصاد الذي يركز على عدد من المجالات أبرزها الاستثمار الأجنبي المباشر وأسعار صرف العملات.

في هذا المقال سوف نتناول التمويل الدولي، حيث سنقوم بتعريفه وبيان أهميته. وكذلك سنُلقي الضوء على أهم المنظمات المالية المسؤولة عن إجراء الدراسات الخاصة به. كما سنتطرق إلى اتفاقية بريتون وودز التي مهدت الطريق إلى توحيد السياسات النقدية الدولية. وأخيرًا عرض لأهم النظريات الخاصة بدراسات التمويل الدولي.

لنتعرف أولًا على التمويل الدولي.

أولًا: ما هو التمويل الدولي International Finance؟

[AdSense-A]

التمويل الدولي هو أحد الفروع المهمة من علم الاقتصاد، ويعني بدراسة التفاعلات النقدية على نطاق واسع بين مختلف الدول عوضًا عن قصر التركيز على الأسواق الفردية.

بالإضافة إلى ذلك، يركز التمويل الدولي على دراسة مجالات متعددة، مثل: الاستثمار الأجنبي المباشر وأسعار صرف العملات، وكيفية ارتباطها بالتجارة الدولية. كما يطلق عليه أيضًا التمويل متعدد الجنسيات Multinational Finance.

ويُعرف التمويل الدولي أيضًا بأنه “الاقتصاد الكلي الدولي” International Macroeconomics، أو “الاقتصاد النقدي الدولي” International Monetary Economics؛ وذلك نظرًا إلى كونه يركز على الاقتصاد الكلي والعلاقات النقدية بين بلدان متعددة.

الشكل التالي يلقي الضوء على أهم مجالات الاقتصاد الدولي:

أبرز مجالات التمويل الدولي

الشكل رقم (1): أبرز مجالات التمويل الدولي

ثانيًا: أهمية التمويل الدولي

كما سبق القول، ففي ظل العولمة واقتصادات السوق الحرة، تزايدت أهمية دراسة الاقتصاد الدولي بشكل غير مسبوق. ويمكن إيجاز أهميته فيما يلي:

  • تعزيز معدل النمو الاقتصادي والنهوض بالقطاع المالي المحلي ومن ثم تحسين مستويات معيشة الأفراد.
  • كذلك، توفير رؤوس الأموال اللازمة لإتمام المشروعات القومية الخاصة بالدولة أو الشركات.
  • زيادة معدل التوظيف، ودعم معدلات النمو وتحقيق التنمية الاقتصادية.

ثالثًا: المنظمات والمؤسسات المالية العالمية المسؤولة عن إجراء الدراسات الخاصة بالتمويل الدولي

[AdSense-B]

يتم إجراء أبحاث التمويل الدولي من قبل مؤسسات دولية كبيرة، هي:

  • مؤسسة التمويل الدولية International Finance Corpا(IFC) .
  • البنك الدولي World Bank.
  • المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية National Bureau of Economic Researchا(NBER) .
  • قسم خصصه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لتحليل السياسات المتعلقة بتدفق رؤوس الأموال والتجارة الخارجية وتطوير الأسواق العالمية.

 رابعًا: التمويل الدولي بعد الحرب العالمية الثانية واتفاقية بريتون وودز

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، خرجت معظم دول أوروبا باقتصاد محطم وبنية مهدمة. ولذلك تم عقد مؤتمر دولي سنة 1944 في بريتون وودز Bretton Woods لبحث إيجاد الصيغة الملائمة لإدارة النظام النقدي الدولي، ووضع الخطط التي تهدف إلى استقرار النظام المالي العالمي وتسهيل التجارة الدولية.

وقد عقد هذا المؤتمر في مدينة نيوهاميشير بالولايات المتحدة في يوليو عام 1944، وشاركت فيه أكثر من 40 دولة تمثل أغلب شعوب العالم. وقد أسفر هذا الاجتماع عن إبرام اتفاقية بريتون وودز، التي تهدف إلى توحيد السياسات والتبادلات النقدية الدولية، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية.

كما أسفر مؤتمر بريتون وودز عن إنشاء وتعزيز دور المؤسسات الدولية التي أضحت تلعب دورًا أساسيًّا في الاقتصاد العالمي، وهي:

(1) صندوق النقد الدولي International Monetary Fund أو(IMF)

وقد تم إنشاؤه على إثر اتفاقية بريتون وودز. وتمثلت أهداف الصندوق في تشجيع التعاون النقدي الدولي والعمل على تحقيق النمو المتوازن للتجارة الدولية.

كما عمل الصندوق على محاولة تجنب فرض القيود على المدفوعات الخارجية والوصول إلى نظام متعدد الأطراف للمدفوعات الدولي.

(2) البنك الدولي للإنشاء والتعمير International Bank for Reconstruction and Development أو (IBRD)

وقد تم إنشاؤه بغرض مساعدة الدول الأوروبية التي دمرتها الحرب ثم مساعدة الدول الأخرى على التنمية الاقتصادية. ويعتبر اليوم جزءًا من مجموعة البنك الدولي.

(3) منظمة التجارة العالمية World Trade Organization أو (WTO)

بالإضافة إلى المؤسستين السابقتين، انبثقت من المؤتمر فكرة إنشاء منظمة التجارة العالمية World Trade Organizationا(WTO).

ومع ذلك، فإنها لم تُنفذ مباشرة، وإنما ابتدأت بالاتفاقية متعددة الأطراف والمسماة بالاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة A General Agreement on Tariffs Tradeا(GATT)، أو اتفاقية الجات، عام 1948 التي شاركت فيها 23 دولة.

الشكل التالي يتضمن أبرز المؤسسات الدولية التي نشأت بموجب اتفاقية بريتون وود، والمعنية بالتمويل الدولي:

أبرز مؤسسات التمويل الدولي التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية

الشكل رقم (2): أبرز مؤسسات التمويل الدولي التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية

خامسًا: النظريات والنماذج الخاصة بدراسة التمويل الدولي

كما أشرنا من قبل، فإن علم التمويل الدولي يركز بصفة أساسية على آليات أسعار الصرف. ولذلك فإنه تم صياغة مجموعة من النظريات والنماذج التي تساعد في تفسير سعر الصرف.

لنتعرف أولًا على هذه النظريات والنماذج من الشكل أدناه:

نظريات التمويل الدولي

الشكل رقم (3): نظريات التمويل الدولي

لنتعرف الآن على هذه النظريات والنماذج بشيء من التفصيل.

(1) نظرية منطقة العملة المثلى Optimum Currency Area Theory

تشير هذه النظرية إلى إمكانية تعظيم الكفاءة الاقتصادية للدولة عند انتماءها إلى منطقة جغرافية معينة، وخصوصًا في حالة اعتماد دول تلك المنطقة نظام سعر صرف ثابت أو عملة موحدة ضمن حدودها. ومن ثم فإنه يمكن الإشارة إلى إنشاء منطقة اليورو عام 1999 كتطبيق عملي لهذه النظرية.

غير أن الدولة عليها أن تستوفي شروطًا محددة حتى تتمكن من الاستفادة من نظرية منطقة العملة المثلى، أهمها أن تتفوق مكاسبها الناجمة عن التجارة الدولية على خسائرها الناجمة عن التخلي عن عملتها الوطنية.

(2) نظرية التأثيرات لفيشر International Fisher Effect

هي واحدة من أبرز نظريات التمويل الدولي. وتفترض هذه النظرية أن اختلافات أسعار الفائدة الاسمية Nominal Interest Rates بين الدول تعكس تغيرات سعر الصرف الفوري بين الدول؛ ومن ثم يمكن استخدامها في التنبؤ بأسعار الصرف.

كما أنه، ووفقا لهذه النظرية، فإن الدول ذات معدلات الفائدة الاسمية المرتفعة تعاني من زيادة في معدلات التضخم، وهو ما سيتسبب في انخفاض قيمة العملة مقابل العملات الأخرى. كذلك، تستند هذه النظرية إلى مفهوم استقلال الفائدة الحقيقية عن المتغيرات النقدية الأخرى.

(3) نظرية تعادل القوى الشرائية Purchasing Power Parity

هي نظرية تقوم على قياس الأسعار في مناطق مختلفة باستخدام سلعة معينة أو مجموعة محددة من السلع؛ لمقارنة القوة الشرائية المطلقة بين العملات المختلفة. وتنص هذه النظرية على أن سعر الصرف بين عملتي دولتين يكون في حالة توازن في حالة تساوي القوة الشرائية داخل الدولتين عند سعر الصرف نفسه.

وكما سبق وأشرنا، فإن أسعار الصرف تمثل ركنًا أساسيًا للتمويل الدولي. وبالتالي، فإن أسعار صرف تعادل القوة الشرائية تساعد على حساب التكاليف، ولكنها تستبعد الأرباح، وقبل كل شيء لا تأخذ في الاعتبار الجودة المختلفة للسلع بين البلدان.

(4) نظرية تعادل أسعار الفائدة Interest Rate Parity

تعتبر هذه النظرية أيضًا من أهم نظريات التمويل الدولي. وتهدف إلى الكشف عن الترابط بين السوق النقدي المحلي وسوق الصرف من خلال المبدأ المتمثل في أن تغير معدلات الفائدة في بلدين لابد أن يؤثر في نسبة تغير سعر الصرف.

وهو ما يعني أن الاختلاف بين معدلات الفائدة بين بلدين ينتج عنه إما تحسن أو تدهور للعملة المحلية مقابل العملة الأجنبية.

(5) نموذج ماندل – فليمنج Mundell-Fleming Model

هو نموذج اقتصادي للتمويل الدولي تم طرحه بواسطة روبرت ماندل Robert A. Mundell وماركوس فليمنج Marcus Fleming. ويُركز هذا النموذج على تحديد فاعلية الاستقرار الاقتصادي في ظل الاقتصاد المفتوح.

كما يستخدم هذا النموذج أيضًا للتنبؤ بأسعار الصرف؛ حيث يفترض وجود علاقة عكسية بين صافي الصادرات وقيمة العملة المحلية على المدى القصير.

علاوة على ذلك، فإنه يدرس العلاقة التفاعلية بين أسواق السلع وأسواق المال، مع افتراض ثبات مستويات أسعار السلع المذكورة.

 التعليق

لاشك أن ازدهار حركة التجارة الدولية من شأنه دفع الاقتصاد العالمي نحو النمو. غير أن حركة التجارة تحكمها عوامل كثيرة أبرزها العوامل السياسية أو التغيرات المناخية أو الكوارث الطبيعية.

على سبيل المثال، ما حدث من تعرض العالم للأوبئة، كما حدث مع مطلع العام 2020 من تعرض العالم لأزمة كورونا، وهو ما تسبب في توقف شبه كامل لحركة التجارة العالمية، ومن ثم الإضرار بالاقتصاد العالمي برمته.

كما تتزايد المخاوف من ارتفاع مديونية بعض الدول خاصة الاقتصاد الأمريكي الذي يعد أقوى اقتصاد في العالم. ولذلك يمكن القول إن التجارة الدولية هي أهم عامل مؤثر على الازدهار والنمو الاقتصادي العالمي.

غير أنه، وفي الوقت الحالي، تتزايد المخاوف المتعلقة بحقيقة أن الولايات المتحدة قد تحولت من كونها أكبر دائن دولي لتصبح أكبر مدين دولي في العالم. وبالتالي فهي تستوعب المبالغ الزائدة من التمويل من كافة المنظمات والدول في العالم، الأمر الذي قد يُلقي بظلاله على التمويل الدولي بطرق غير متوقعة.

الخلاصة

  • تناولنا في هذا المقال التمويل الدولي. وهو ذلك الفرع من علم الاقتصاد الدولي الذي يعني بدراسة تدفقات رؤوس الأموال والتفاعلات النقدية بين الدول.
  • كما يركز هذا الفرع بصفة أساسية على الآليات التي تحكم أسعار الصرف والاستثمار الأجنبي المباشر.
  • كذلك، يهدف التمويل الدولي بصفة أساسية إلى تعزيز معدلات النمو الاقتصادي وتوفير التمويل اللازم للمشروعات وتحقيق التنمية الاقتصادية.
  • أبرز المنظمات والمؤسسات المالية العالمية المسؤولة عن إجراء الدراسات الخاصة بالتمويل الدولي:
    • مؤسسة التمويل الدولية.
    • البنك الدولي.
    • المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية
  • وكان إيجاد الصيغة الملائمة لإدارة النظام النقدي الدولي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية أحد أهم أسباب عقد مؤتمر بريتون وودز في الولايات المتحدة الأمريكية.
  • لذلك، أسفر الاجتماع عن إبرام اتفاقية لتوحيد السياسات والتبادلات النقدية الدولية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي. كما أسفر عن إنشاء وتطوير عدد من المؤسسات الدولية، أبرزها:
    • صندوق النقد الدولي.
    • البنك الدولي للإنشاء والتعمير.
    • كما وضع حجر الأساس لمنظمة التجارة العالمية.
  • ويتضمن التمويل الدولي عددًا من النظريات والنماذج الهادفة إلى تفسير العلاقات ذات الصلة بأسعار الصرف، ومن ثم التنبؤ بها. وهذه النظريات هي:
    • نظرية منطقة العملة المثلى.
    • نظرية التأثيرات لفيشر.
    • نظرية تعادل القوى الشرائية.
    • نظرية تعادل أسعار الفائدة.
    • نموذج ماندل – فلمنج.

للمزيد من المقالات ذات الصلة، يرجى متابعة موقع بورصات.