لماذا خفضت أوبك من إنتاج النفط؟
أثار اتفاق مجموعة أوبك المنتجة للنفط وحلفائها (أوبك بلس)، ومن بينهم روسيا، على خفض إنتاجها من النفط ردود أفعال هائلة، وأدى إلى ارتفاع حاد في أسعار النفط عالميًا عقب فترة من الاستقرار. وقد أعلنت المجموعة عن توسيع خفض إنتاج النفط الخام إلى 3.66 مليون برميل يوميا أو 3.7 بالمئة من الطلب العالمي.
وكانت السعودية ومنتجون آخرون للنفط في أوبك + قد أعلنوا يوم الأحد 2 أبريل 2023 عن مزيد من التخفيضات في إنتاج النفط بنحو 1.16 مليون برميل يوميا في خطوة مفاجئة قال محللون إنها ستؤدي بالضرورة إلى ارتفاع فوري في الأسعار، ووصفتها الولايات المتحدة بأنها خطوة غير جيدة وستؤدي حتمًا إلى ارتباك كبير في الأسواق.
وجاء هذا القرار قبل يوم من اجتماع افتراضي للجنة أوبك بلس على مستوى الوزراء، تضم السعودية وروسيا، والتي كان من المتوقع أن تلتزم بخفض مليوني برميل يوميًا حتى نهاية عام 2023.
وقد ساعد الإعلان المفاجئ على رفع الأسعار بمقدار 5 دولارات للبرميل إلى ما يزيد عن 85 دولارًا للبرميل.
ولكن، ما هي الأسباب التي دعت أوبك بلس إلى هذا القرار المفاجئ؟
1) مخاوف بشأن ضعف الطلب العالمي
قالت السعودية إن هذه التخفيضات الطوعية للإنتاج، وقدرها 1.66 مليون برميل يوميا، علاوة على التخفيضات الحالية البالغة مليوني برميل يوميا، تم الاتفاق عليها كإجراء احترازي يهدف إلى دعم استقرار السوق. في الوقت التي تتزايد فيه المخاوف من تراجع الطلب العالمي على النفط، ومن ثم انهيار أسعاره.
وفي الوقت نفسه، صرح نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إن أزمة البنوك الغربية كانت أحد أسباب الخفض. والمح كذلك إلى “التدخل في ديناميكيات السوق” على حد تعبيره، وهو تعبير روسي لوصف وضع سقف لأسعار النفط الروسي تحديدًا من جانب القوى الغربية بسبب حربها على أوكرانيا.
وفي ذات السياق، أدت المخاوف من حدوث أزمات مصرفية جديدة خلال الشهر الماضي إلى قيام المستثمرين ببيع الأصول الخطرة، مثل السلع، مع انخفاض أسعار النفط إلى ما يقرب من 70 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى حدث بعد الوصول إلى ذروة الأسعار على الإطلاق عند 139 دولارًا في مارس 2022.
ومن ناحية أخرى، قد يؤدي الركود العالمي إلى انخفاض أسعار النفط بشكل أكبر من المتوقع. وتعقيبًا على ذلك أشارت بعض التقارير إلى أن حجم الخفض الأخير ربما يكون مبالغا فيه، وهو ما يوضح حجم مخاوف أوبك من حدوث ركودًا عالميًا كبيرًا.
2) توجيه صدمة للمضاربين على انخفاض أسعار النفط
من المحتمل أن يكون تخفيض إنتاج النفط أيضًا بمثابة “الصدمة” بالنسبة لبائعي النفط على المكشوف أو أولئك الذين يراهنون على انخفاض أسعاره.
وبالعودة إلى عام 2020 ، كان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قد حذر التجار من المراهنة بشدة في أسواق النفط، قائلاً إنه سيعمل ما في وسعه لتكون أسواق النفط “متقلبة”، ووعد بأن أولئك الذين يقامرون على أسعار النفط “سيلقون بأنفسهم في الجحيم”.
والجدير بالذكر أنه، وقبل هذا التخفيض الأخير لإنتاج النفط، خفضت صناديق التحوط صافي مراكزها في خام غرب تكساس الوسيط القياسي للولايات المتحدة إلى 56 مليون برميل فقط بحلول 21 مارس 2023، وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2016.
كما فاق عدد مراكز الشراء الخاصة بهم مراكز البيع بنسبة كبيرة بلغت 1.39: 1 فقط، وهو أدنى مستوى منذ أغسطس 2016.
وتعقيبًا على هذا الأمر، قال مصدر مطلع لرويترز إن تفكير أوبك بلس ربما يكون صائبًا، وأن هذا “الخفض الأخير سيضر أولئك الذين يراهنون بشدة على تراجع أسعار النفط”.
3) محاولة دفع أسعار النفط إلى الارتفاع
قال العديد من المحللين إن أوبك + كانت حريصة على وضع حد أدنى لأسعار النفط عند 80 دولارًا للبرميل، بينما توقع يو بي إس UBS وريستاد Rystad قفزة قوية في الأسعار تصل إلى 100 دولار للبرميل.
ومع ذلك، فإن أسعار النفط المرتفعة بشكل مفرط تمثل خطرًا على أوبك + لأنها تُسرع التضخم، بما في ذلك ارتفاع أسعار السلع التي تحتاج المجموعة لشرائها.
كما أن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل قد يشجع الدول غير الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على السعي نحو تحقيق مكاسب إنتاجية أسرع والاستثمار في مصادر الطاقة البديلة.
وفي هذا الصدد، قال جولدمان ساكس إن قوة أوبك زادت في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت ردود فعل أو استجابة النفط الصخري الأمريكي على ارتفاع الأسعار أبطأ وأقل تأثيرًا. في الوقت الذي تزايدت فيه الضغوط على المستثمرين لوقف تمويل مشاريع الوقود الأحفوري.
4) التوترات بين أوبك بلس وواشنطن
في أول فعل رسمي لها، وصفت واشنطن الخطوة الأخيرة التي اتخذتها أوبك + بأنها غير مبررة وأن الوقت غير مناسب لمثل هذا الإجراء المفاجئ
وكان الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، قد وجه مرارا انتقادات لاذعة لمجموعة أوبك لتلاعبها بالأسعار وانحيازها لروسيا في حربها على أوكرانيا.
وفي الوقت الحالي، تدرس الولايات المتحدة إصدار تشريع يعرف باسم نوبك NOPEC، والذي من شأنه أن يسمح بمصادرة أصول أوبك على الأراضي الأمريكية في حالة ثبوت تواطؤ مجموعة أوبك أو أوبك بلس مع روسيا والتلاعب بأسعار النفط لصالحها.
ومن جانبها، انتقدت مجموعة أوبك بلس وكالة الطاقة الدولية، وهي هيئة مراقبة الطاقة في الغرب والتي تعد الولايات المتحدة أكبر مانح مالي لها، لإفراجها عن مخزونات النفط العام الماضي، في خطوة قالت إنها ضرورية لخفض الأسعار وسط مخاوف من أن تعطل العقوبات الإمدادات الروسية.
ومع ذلك، لم تتحقق توقعات وكالة الطاقة الدولية أبدًا، مما دفع مصادر أوبك + إلى القول إنها (أي وكالة الطاقة الدولية) مدفوعة سياسيًا وتهدف إلى المساعدة في تعزيز توجهات الرئيس الأمريكي جو بايدن.