إن مشكلات السيولة وتوفير التمويل اللازم للأنشطة المختلفة ليست قاصرة على الأفراد والشركات؛ فالبنوك وسائر المؤسسات المالية قد تلجأ أيضًا للاقتراض أحيانا للحصول على السيولة اللازمة؛ حيث يمكن أن يتم ذلك من خلال سوق ما بين البنوك التي تسمح للمؤسسات المالية -وعلى رأسها البنوك- بتقديم قروض قصيرة الأجل لبعضها، كما أنها تمثل شبكة عالمية للتداول المباشر للعملات الأجنبية خارج نطاق البورصة؛ ومن ثم فيمكن استخدامها كسوق لإدارة مخاطر أسعار الصرف. وقد شهدت سوق ما بين البنوك تطورًا كبيرًا بعد انهيار اتفاقية بريتون وودز Bretton Woods عام 1971 إثر قرار الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون بإلغاء معيار الذهب مقابلًا للدولار.

وفي هذا المقال، سنتعرف على هذه السوق والمشاركين فيه. كما سنستعرض مكونات سوق ما بين البنوك ونظام التسوية الذي يختلف باختلاف هذه المكونات. ويمكننا التعرف بصورة أكبر على آلية عمل هذا السوق، واللوائح التي قد تحكمه. كما سيتناول هذا المقال الفرق بين سوق ما بين البنوك والأسواق المنظمة الأخرى.

ما هو سوق ما بين البنوك Interbank Market

إن سوق ما بين البنوك سوق خارج البورصة يتم من خلالها تبادل العملات عبر شبكة إلكترونية على نطاق واسع بين البنوك والمؤسسات المالية في أنحاء العالم كله، وتكون في الغالب سوقًا غير مركزية؛ بمعنى أنها غير خاضعة لنظام محدد. وتسمح هذه السوق للبنوك والمؤسسات المالية الكبرى المملوكة للقطاع الخاص بتداول العملات الأجنبية وغيرها من المشتقات وفئات الأصول مباشرة، ويتم إبرام كل صفقة بناء على اتفاق مسبق بين الطرفين على قيمة الصفقة ومعدل الفائدة. كما يمكن أن تجري البنوك بعض عمليات التداول نيابة عن كبار العملاء الذين تبلغ حجم صفقاتهم مليارات الدولارات، ويمكن تسهيل تلك العمليات عادة من خلال شركات وساطة Interdealer Broker. وتتبع سوق ما بين البنوك نظامَ سعرِ صرفٍ عائمٍ؛ أي أنه يتغير بناء على العرض والطلب على تداولات العملة في السوق.

صورة رقم 1

آلية عمل سوق ما بين البنوك

بطبيعة الحال، يتعين على البنوك الاحتفاظ بكمية كافية من الأصول السائلة لإدارة أية عمليات تشغيل مصرفية محتملة من قبل العملاء. غير أنها تكون أحيانًا -في حالة عجزها عن تلبية متطلبات السيولة- في حاجة إلى اللجوء إلى سوق ما بين البنوك لاقتراض الأموال؛ حيث تمتلك في المقابل بعض البنوك الأخرى أصولًا سائلة زائدة تتجاوز متطلبات السيولة لديها؛ ومن ثَم عادة ما تقرض هذه البنوك الأموال الزائدة لديها في سوق ما بين البنوك، والحصول على فائدة على الأصول.

معدل الفائدة ما بين البنوك Interbank Rate

هي معدل الفائدة الذي تدفع البنوك لبعضها في سوق ما بين البنوك نظير اقتراض أموال في صورة قروض قصيرة الأجل -مدتها تتراوح بين أسبوع واحد أو أقل- بهدف إدارة السيولة وتلبية متطلبات الاحتياطي. ويجري احتساب سعر الفائدة في سوق ما بين البنوك على أساس الأسعار السائدة في السوق والشروط المحددة في العقد مثل المدة.

المشاركون في سوق ما بين البنوك

وهي مؤسسات مالية وبنوك كبرى تتمتع بتأثير كبير على سوق ما بين البنوك؛ حيث تلعب دورًا بارزًا في تحديد أسعار الصرف من خلال عمليات البيع والشراء، ومنها:

  • جي بي مورجان تشيس JP Morgan Chase وسيتي جروب Citicorp في الولايات المتحدة الأمريكية.
  • دويتشه بنك Deutsche Bank في ألمانيا.
  • بنك HSBC في الصين وهونج كونج.
  • هناك بنوك عملاقة أخرى تساهم بنسب ضخمة في سوق الإنتربنك، مثل: مورجان ستانلي – باركليز – UBS – كريدت سويس، وغيرها.

صورة رقم 2

وقد تلعب بعض الشركات التجارية وصناديق التحوط Hedge Funds أيضًا دورًا بارزًا في تحديد الأسعار في السوق.

آلية تبادل العملات في سوق ما بين البنوك

يحدد الأسعار في سوق ما بين البنوك في الغالب أكبر المشاركين في سوق تداول العملات الأجنبية، وهم في الغالب البنوك والمؤسسات المالية الكبرى كما أشرنا. حيث ترتبط هذه البنوك والمؤسسات مالية في الغالب ببعضها من خلال منصة تداول إلكترونية. وتُمَكِّن هذه المنصة البنوك من الاطلاع على أسعار العطاءات والطلب على العملات المختلفة التي يعرضها منافسوها، وهو ما يحقق منافسة جيدة بين البنوك تُمَكِّنُها من تقديم أفضل الأسعار.

على سبيل المثال، في حالة وجود مؤشرات لدى البنك بشأن ارتفاع سريع مرتقب لسعر صرف اليورو مقابل الدولار الأمريكي، فإنه بطبيعة الحال سيرغب في شرائه بتقديم أفضل الأسعار مقارنةً بالبنوك الأخرى.

ورغم عدم خضوع هذا السوق لأي تنظيم حكومي، فإن هذا التنظيم الذاتي أثبت فعاليته لأنه يسمح للمؤسسات المالية التي تقدم عروضًا أفضل بالتداول في السوق. غير أنه يتعين على البنوك والمؤسسات المالية الالتزام ببعض مقتضيات الاحتياطي عند تقديم عروضها.

مكونات سوق الإنتربنك

1- السوق الفورية Spot Market

وتعرف أيضا بسوق النقد؛ حيث يتم تداول الأصول مثل السلع والعملات والأوراق المالية. وفي الغالب تتم تسوية معاملات العملة الفورية خلال يومَي عمل من تاريخ التنفيذ (T+2)؛ وهو ما يستلزم من البنوك الحصول على خطوط ائتمان لتسهيل العمليات التجارية ولتجنب مخاطر التسوية. ويستثنى من تلك القاعدة بشكل رئيسي معاملات الدولار الأمريكي مقابل الدولار الكندي التي تتم خلال يوم عمل واحد.

صورة رقم 3

2- أسواق العقود الآجلة Forward Market

وهي عبارة عن أسواق من خلالها يتم تنفيذ اتفاقيات لتبادل العملات الأجنبية مع تحديد تاريخ وسعر للبيع في المستقبل.

3- أسواق المقايضة Swap trade

يشتري البنك من خلالها العملة بالسعر الحالي للسوق الفورية، على أن يبيعها بالسعر المعادل في السوق الآجلة بتاريخ وسعر محددين في المستقبل؛ ومن ثم فهي تُعَدُّ مزيجًا من السوق الفورية والسوق الآجلة.

4- تحويل الأموال دوليًّا عبر نظام سويفت

يمثل نظام سويفت SWIFT شبكة ضخمة للمراسلة تستخدمها المصارف والمؤسسات المالية الأخرى، لتقوم من خلالها بإرسال المعلومات واستقبالها بسرعة ودقة وأمان، ويشمل ذلك تعليمات تحويل الأموال.

نظام سويفت (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك)

Society for Worldwide Interbank Financial Telecommunications (SWIFT)

نظام ابْتُكِرَ عام 1973، حيث شكلت 6 مصارف دولية كبرى جمعيةً لتشغيل شبكة عالمية من شأنها إرسال واستقبال المعلومات المتعلقة بالمعاملات المالية بطريقة آمنة وسريعة وموثوقة. وكان التليكس هو الوسيلة الوحيدة المتاحة -قبل اعتماد نظام سويفت- لتأكيد الرسائل من أجل تحويل الأموال دوليًّا.

شروط ولوائح التداول في سوق ما بين البنوك

نظرا لأن سوق ما بين البنوك -كما أشرنا من قبل- هي سوق خارج البورصة؛ فهي سوق غير مركزية ولا تخضع لنظام محدد. وعوضًا عن ذلك، تتم عمليات تبادل ضخمة من العملات بين البنوك بأسعار وكميات متفق عليها عبر نظام إليكتروني دقيق ومحكم. ويتم تحديد هذه الأسعار بصفة أساسية من جانب البنوك العالمية الكبرى التي تلعب دور صناع السوق. وفي العديد من الدول، تصدر البنوك المركزية أسعار الإغلاق الفورية التي عادة ما تعكس الأسعار التي يعلنها صانعو السوق يوميًّا في وقت مسبق. كما تضع بعض الدول لوائح محلية يحب أن يتبعها المتعاملون في هذه السوق.

الفرق بين سوق ما بين البنوك (الإنتربنك) وسوق الفوركس

سوق ما بين البنوك/ الإنتربنك سوق الفوركس
المشاركون في السوق سوق يتم فيها تبادل العملات من جانب البنوك الكبرى. يشارك فيها المتعاملين كلهم من خلال التاجر أو صانع السوق نفسه.
طرق التداول والوساطة يتم التواصل بين البنوك والمؤسسات المالية من خلال منصة تداول إلكترونية، بحيث تعرض هذه المنصة أفضل الأسعار للعملات المختلفة، وهو ما يعزز المنافسة. ونظرًا لعدم وجود وسيط، فإن هذه السوق تكون أقل تكلفة وتتميز بسرعة تنفيذ الأوامر. يتقاضى التاجر في هذه السوق رسومًا وعمولات من المتعاملين مقابل تقديم خدمة الوساطة لهم، وهو ما يجعلها أكثر تكلفة.
السعر والتسوية يتم تحديد الأسعار في الغالب مباشرةً من خلال صانعي السوق (البنوك العالمية الكبرى)، بحيث يسجل كل بنك -أو مؤسسة مالية- معاملاته في السوق مع الحفاظ على خصوصية هذه البيانات، فلا تكون متاحة للجمهور. يتم تسجيل كل عملية تداول وفقًا لسعر وكمية التسوية، وهو ما يعني توافر بيانات دقيقة عن هذه المعاملات.

الخلاصة

  • سوق ما بين البنوك عبارة عن شبكة عالمية تلجأ إليها البنوك والمؤسسات المالية العالمية الكبرى للاقتراض من بعضها لتمويل أنشطتها المختلفة.
  • تسمح سوق ما بين البنوك بتداول العملات الأجنبية وغيرها من المشتقات.
  • يمكن أن تجري البنوك بعض عمليات التداول نيابة عن كبار العملاء التي تتجاوز حجم صفقاتهم مليارات الدولارات.
  • تلعب عدد من المؤسسات المالية والبنوك الكبرى -مثل جي بي مورجان في الولايات المتحدة الأمريكية، وHSBC في الصين- دورًا كبيرًا في تحديد أسعار صرف العملات من خلال عمليات البيع والشراء.
  • المكونات الرئيسية لسوق ما بين البنوك هي:
    • السوق الفورية أو سوق النقد: حيث يتم تسوية معاملات العملة الفورية خلال يومَي عمل من تاريخ التنفيذ.
    • أسواق العقود الآجلة: حيث يتم تحديد سعر وتاريخ البيع في المستقبل.
    • أسواق المقايضة: تمثل مزيجًا من المكونين السابقين.
    • تحويل الأموال دوليًّا عبر نظام سويفت.
  • سوق ما بين لا تخضع في الغالب للوائح تنظيمية؛ حيث إنها سوق غير مركزية، ويتم تحديد الأسعار فيها بصورة مباشرة من جانب البنوك الكبرى عبر المنصة الإلكترونية.
  • تتميز هذه السوق بسرعة التنفيذ؛ كما أنها أقل تكلفة من الأسواق الأخرى.
  • تختلف سوق ما بين البنوك عن سوق الفوركس في عدد من النقاط أبرزها:
  • سوق ما بين البنوك يتم التداول فيها من خلال تبادل العملات بين البنوك الكبرى، في حين يتم التعامل في سوق الفوركس من خلال تاجر أو صانع سوق.
  • يتم التداول في سوق ما بين البنوك من خلال منصة إلكترونية دون وسيط وبأقل تكلفة، في حين يحصل الوسيط في سوق الفوركس على رسوم من المتعاملين.
  • يتم تحديد الأسعار في سوق ما بين البنوك بصورة مباشرة مع الحفاظ على خصوصية البيانات، في حين تكون البيانات متاحة في سوق الفوركس.