رغم تراجع معدلات التضخم: رئيس الاحتياطي الفيدرالي يستبعد خفض أسعار الفائدة هذا العام
بعث رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول برسالة واضحة يوم الأربعاء، ظاهرها “يبعث على السرور” لأن التضخم بدأ في التباطؤ، غير أن باطنها يعكس حالة من عدم اليقين بشأن أسعار الفائدة، كون الاحتياطي الفيدرالي لم يتمكن حتى الآن من “عكس مسار التضخم أو إعلان النصر” على حد قوله.
وقال باول في مؤتمر صحفي عقب رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخير لسعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية “سيستغرق الأمر بعض الوقت” حتى نتمكن من كبح جماح التضخم في الاقتصاد. وقال إنه يتوقع استمرار رفع الأسعار مرتين، “وبالنظر إلى توقعاتنا، لا أرى أننا سنخفض أسعار الفائدة هذا العام”.
وفي تجاهل واضح لتصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، استمر المستثمرون في الرهان على أن المعدلات ستكون أقل بحلول نهاية العام مما هي عليه الآن.
وليس من الواضح أي وجهة نظر ستثبت صحتها، مع العلم أنه لا بنك الاحتياطي الفيدرالي ولا الأسواق صدقت تنبؤاته بشكل مطلق منذ أن بدأت الجولة الحالية لرفع أسعار الفائدة في مارس الماضي.
وقد استمر صانعو السياسة في الاحتياطي الفيدرالي في تصعيد تقديراتهم الخاصة لمدى ارتفاع أسعار الفائدة كل ربع سنة خلال العام الماضي، حيث أثبت التضخم أنه أقوى وأكثر ثباتًا مما كان متوقعًا. ولذلك لم يشر أي منهم مرة واحدة إلى أن المعدلات ستخفض هذا العام (2022).
وبالتالي فإن كيفية “عكس اتجاه” أسعار الفائدة ستتوقف إلى حد كبير على ما إذا كان التضخم سينخفض بشكل أسرع مما يتوقعه الاحتياطي الفيدرالي.
وفي ردود الأفعال، قال تيم دوي، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في SGH Macro Advisors، النتيجة الفعلية تعتمد على البيانات، وقد تتضح الصورة عندما نتعمق أكثر في النصف الأول من العام. وطالما أن هناك حالة من عدم اليقين تجاه أسعار الفائدة، فمن مصلحة باول محاولة منع الأسواق المالية من المراهنة على خفض أسعار الفائدة، ما من شأنه أن يُخفف الأوضاع المالية، وربما يُقوض بدوره التقدم الذي حققه الاحتياطي الفيدرالي بشق الأنفس ضد التضخم.
ويستطرد دوي: “وحتى مجرد التصريح بإمكانية خفض سعر الفائدة في وقت لاحق من هذا العام يمكن أن يبطل مجهود الاحتياطي الفيدرالي، مما يجبره على المزيد من التضييق ويجعل من الصعب تجنب الركود. وبالتالي، فإن تأكيدات باول المتكررة حول عدم خفض أسعار الفائدة، والحاجة بالفعل إلى أخذها على الأقل فوق 5% كما توقع صناع السياسة في ديسمبر، تبقى في محلها تمامًا”.
وفي تعليق على تصريح باول “أننا نتوقع أن تكون الارتفاعات –في أسعار الفائدة- مناسبة”، قالت ميجان جرين كبيرة الاقتصاديين العالميين في معهد كرول العالمي: “الأسواق لا تشتري ما يبيعه بنك الاحتياطي الفيدرالي”، في إشارة إلى تجاهل الأسواق المالية والمستثمرين لمعدلات التضخم ولرسائل باول، والمضي قدمًا في المراهنة على خفض أسعار الفائدة بنهاية العام الحالي.
والجدير بالذكر أن بيانات التضخم أخذت في التراجع خلال الأشهر الثلاثة الماضية. ووفقًا لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، فإن التضخم يسير الآن بمعدل سنوي أقل قليلًا من 5%، غير أنه لا يزال أكثر من ضعف المستهدف البالغ 2%، ولكنه أقل من قمته التي بلغت 7% في الصيف الماضي.
شبح بيرنز – فولكر
وقد حذر جيروم باول وغيره من أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي من التعامل بسهولة مع التضخم، أو التسرع في خفض أسعار الفائدة في وقت قريب.
وفي هذا الصدد عاود باول الإشارة إلى “حرب التضخم الكبيرة” التي خاضها الاحتياطي الفيدرالي في سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي، وحذر من تكرار ما حدث آنذاك عندما رفع آرثر بيرنز –رئيس الاحتياطي الفيدرالي وقتها- أسعار الفائدة مرارًا وتكرارًا، ثم خفضها لمحاربة البطالة المتزايدة لتنفجر الأسعار من جديد، ويجد خليفته بول فولكر نفسه مُضطرًا لرفع معدلات الفائدة إلى ما يقرب من 20% للقضاء على التضخم الذي تركه بيرنز يخرج عن نطاق السيطرة.