نتناول في هذا الموضوع الخصائصَ العامةَ لعلم الاقتصاد، وقبل أن نسرد هذه الخصائص لا بد لنا أنْ نعرف أنَّ  هناك جدلًا كبيرًا بين الاقتصاديين بشأن طبيعة الاقتصاد، من حيث كونه علمًا أم فنًّا، وإذا ما كانَ يعد علمًا إيجابيًّا أم معياريًّا. وفي هذه المقالة سنحاول مناقشة الآراء جميعها. هيا بنا نتعرف على خصائص علم الاقتصاد

تعريف علم الاقتصاد: الاقتصاد هو علم اجتماعي يهتم بإنتاج السلع والخدمات، ويهتم بتوزيعها واستهلاكها، كما أنه يدرس كيفية قيام الأفراد والشركات والحكومات والدول باختيار تخصيص الموارد لتلبية رغباتهم واحتياجاتهم، في محاولة للقيام بالاستغلال الأمثل للموارد؛ لتحقيق أقصى قدر من الإنتاج.

الاقتصاد كعلم

قبل أن نبدأ في مناقشة ما إذا كان الاقتصاد علمًا أم لا، يصبح من الضروري وجود فكرة واضحة عن ماهية العلم؛ فالعلم هو دراسة منهجية للمعرفة، وتطور للعلاقة بين السبب والنتيجة. العلم ليس فقط مجموعة من الحقائق – وفقًا للأستاذ بوانكير – وإنَّما في الواقع يجب جمع كل الحقائق وتصنيفها وتحليلها بشكل منهجي لتشكيل حقيقة علمية.

في البداية سنستعرض الخصائص التي يتضمنها أيُّ موضوع علمي؛ كي نفهم: هل الاقتصاد علم أم فن:

(1) يستند إلى دراسة منهجية للمعرفة أو الحقائق.

(2) تطور علاقة الارتباط بين السبب والنتيجة.

(3) جميع القوانين مقبولة عالميًّا.

(4) يتم اختبار جميع القوانين، ويكون هذا استنادًا إلى التجارب.

(5) يمكن أن تقدم تنبؤات مستقبلية.

(6) لديه مقياس موضوعيٌّ، وهذا المقياس يختلف حسب طبيعة العلم؛ ففي الرياضيات أو الفيزياء نستخدم وحدات لقياس الطول ووحدات لقياس الوزن، ولكن في الاقتصاد نستخدم المال مقياسًا، ولذا، فإنَّ وجود مقياس – بغض النظر عن نوعه –  يعد متطلبًا من متطلبات العلم.

على أساس كل هذه الخصائص، يقول البروفيسور روبنز، والبروفيسور جوردون، والبروفيسور روبرتسون، وغيرهم: إنَّ الاقتصادَ هو أحد موضوعات العلوم، مثل: الفيزياء، والكيمياء..إلخ. وفقًا لكل هؤلاء الاقتصاديين فإنَّ “الاقتصاد” له أيضًا، العديد من الخصائص المشابهة للمواد العلمية الأخرى، وسوف نستعرضها بالتفصيل.

الخصائصُ العامةُ لـ علم الاقتصاد

  • الاقتصادُ هو دراسة منهجية للمعرفة والحقائق، ودراسة لجميع النظريات والحقائق المتعلقة بكل من الاقتصاد الجزئيِّ والكليِّ، ويتم جمعها وتصنيفها وتحليلها بشكل منهجيٍّ.
  • يتناول الاقتصادُ العلاقةَ المتبادلةَ بين السبب والنتيجة؛ فعلى سبيل المثال، يعد العرض دالة إيجابية للسعر؛ أي أن التغير في السعر هو السبب، ولكن التغير في العرض هو التأثير.
  • جميع القوانين في الاقتصاد تعمل في جميع أنحاء العالم، مثل: قانون الطلب، وقانون العرض، وقانون تناقص المنفعة الحدية.
  • تستند نظرياتُ وقوانينُ الاقتصاِد إلى تجارب، مثل الاقتصاد المختلط، الذي يستند  إلى تجارب المزج بين الاقتصادات الرأسمالية والاشتراكية.
  • الاقتصاد له مقياس، وفقًا للأستاذ مارشال، وبالنسبة للاقتصاد فإنَّ “المال” هو أداة قياسه، ومع ذلك – وفقا للأستاذ K – فإنَّ مؤشر التنمية البشرية (HDI) يُستخدم لقياس التنمية الاقتصادية للبلد.
  • ومع ذلك أيضًا، فإنَّ السؤال الأكثر أهميةً، هو: هل الاقتصاد يعد علمًا إيجابيًّا أم علمًا معياريًّا؟ تتعامل العلوم الإيجابية مع كل الأشياء أو الأنشطة الحقيقية؛ فالعلم الإيجابي يجيب عن أسئلة، مثل: ما الحل؟ ماذا كان؟ ماذا سيكون؟ إنه يتعامل مع كل الأشياء العملية. علَى سبيل المثال، الفقر والبطالة هما أكبر المشاكل في الهند، إضافةً إلى أنَّ تقديرات العمر المتوقعة للولادة في الهند آخذة في الارتفاع تدريجيًّا، تُعرف كل هذه العبارات السابقة بأنها بيانات إيجابية؛ أي جميع هذه البيانات معنية بالحقائق والمعلومات الحقيقية.
  • علَى العكس من ذلك، فإنَّ العلمَ المعياريَّ يجيب عن أسئلة من نوع: ماذا يجب أن يكون؟ ماذا يجب أن يحدث؟ العلم المعياري يقدم اقتراحات للمشاكل، فتأتي البيانات التي تتناول هذه الاقتراحات؛ في إطار البيانات المعيارية، وهذه البيانات تساعد علَى إثارة الأفكار حول الآثار الجيدة والسيئة لأيِّ مشكلة أو سياسة معينة؛ فعلَى سبيل المثال، تعد الأمية مشكلة في المجتمعات الفقيرة.

الآن، السؤال الأكثر أهمية، هو ما إذا كان الاقتصاد علمًا إيجابيًّا أم علمًا معياريًّا؟ زعم الاقتصاديون، مثل البروفيسور سنيور، ويمثل الاقتصادي الكلاسيكي؛ والبروفيسور روبنز، والبروفسور فرايت، وهم من رجال الاقتصاد الحديث؛ أنَّ الاقتصادَ علمٌ إيجابيٌّ، ومع ذلك فإن  البروفيسور Pigou، من مدرسة الاقتصاد الكلاسيكي؛ ومعه البروفيسور مارشال، من مدرسة الاقتصاد الكلاسيكي الجديد، وغيرهم، يرون أنَّ الاقتصادَ هو علمٌ معياريٌّ.

الاقتصاد والعلوم الإيجابية

يمكن أن  تعرف العبارات التالية الاقتصاد كعلم إيجابي، مثل:

1- منطقية الفروض: تعتمد أفكار الاقتصاد على توضيحات منطقية مطلقة، علاوة على ذلك  فهي تطور العلاقة بين السبب والنتيجة.

2- تخصص العمل: قانون العمل هو موضوع مهم للاقتصاد؛ إنه مبني على قانون تخصص العمل، ويجب على الاقتصاديين الاهتمام بأسباب وآثار تقسيم العمل، ويعتبر تخصيص العمل من أسس علم الاقتصاد؛ إذ إنَّه يلغي فكرة الإنتاج للاستهلاك فقط، وهذا هو الأساس في الرأسمالية.

3- غير محايد: الاقتصاد ليس محايدًا بين العلوم الإيجابية والعلمية؛ فوفقًا لمعظم الاقتصاديين، يعد الاقتصاد مجرد علم إيجابي، وليس ضمن العلوم المعيارية.

الاقتصاد والعلوم المعيارية

يمكن أن تعرف العبارات التالية الاقتصاد كعلم معياري مثل:

1-الجزء العاطفي: ليس للإنسان العقلاني وجهة نظر منطقية فحسب، بل له أيضًا ارتباطات عاطفية وآراء عاطفية فيما يتعلق بأي نشاط، وهذه المرفقات العاطفية كلها تخضع لبيانات معيارية، ومن ثَمَّ، فإنَّ الاقتصاد هو علم معياريٌّ.

2- نشاط الرعاية الاجتماعية: الاقتصاد هو علم الرفاهية الإنسانية، وإنَّ جميع الاقتصادات قد وجهت نظرياتها لتنمية مستوى معيشة الإنسان، ومن ثَمَّ، فإن كل البيانات الاقتصادية لها وجهات نظرها المعيارية.

3- التخطيط الاقتصادي: التخطيط الاقتصادي هو أحد الأدوات الرئيسية للتنمية الاقتصادية. قدم العديد من الاقتصاديين وجهات نظرهم الشخصية للتنفيذ الناجح للخطة الاقتصادية، ومن هنا فإنَّ الاقتصادَ يخضع للعلوم المعيارية.

كل هذا يقودنا إلى استنتاج مفاده، هو أن “الاقتصاد” علم إيجابي ومعياري في آنٍ معًا؛  حيث إنَّ علم الاقتصاد لا يخبرنا سبب حدوث بعض الأشياء فقط، ولكنه يعطينا أيضًا فكرة عما إذا كان من الصحيح حدوث ذلك أم لا.

الاقتصادُ فَنٌّ

وفقًا لـ Т.К. ميهتا، فإنَّ “المعرفة هي العلم، العمل هو الفن”. ووفقًا لبيجو  مارشال، فإنَّ الاقتصاد يعتبر أيضًا فنًّا. بصيغة أخرى الفن هو التطبيق العملي للمعرفة لتحقيق أهداف معينة، والعلم يعطينا مبادئ أي عمل منضبط، لكنَّ الفنَّ يحول كل هذه المبادئ إلى واقع؛ لذلك، بالنظر إلى الأنشطة في الاقتصاد، يمكن النظر إليه باعتباره فنًّا في بعض الأحيان؛ لأنه يقدم إرشاداتٍ وحلولًا لجميع المشكلات الاقتصادية.

لذلك، ومن خلال جميع المعلومات التي سبق مناقشتها في الموضوع؛ فإنَّه يمكننا أنْ نستنتج أنَّ الاقتصادَ ليس علمًا ولا فنًّا فقط، وإنَّما هو مزيجٌ ذهبيٌّ من الاثنين معا، ووفقًا لـ Cossa يعد العلم والفن مكملين لبعضهما بعضًا، ومن هنا، فإنَّ الاقتصادَ علمٌ فنٌّ في آنٍ معًا.

موضوع كون الاقتصاد علمًا أو فنًّا، هو من الموضوعات الجدلية بطبيعتها، ولقد رأيت – أيها القارئ الكريم  – كيف اختلفت آراء رجال الاقتصاد الكلاسيكي والحديث حول طبيعة الاقتصاد كعلم، وهل هو علم معياريٌّ أم إيجابيٌّ. والآن، هل الجدل جزء أصيل في الدراسات والعلوم الاجتماعية؟ وهل سمعت عن بعض رجال الصناعة الناجحين وأصحاب الأعمال الذين حققوا نجاحات باهرة علَى الرغم من عدم إلمامهم بمبادئ الاقتصاد؟ في النهاية، تعرفنا على خصائص علم الاقتصاد ونحن بانتظار رأيك حول طبيعة الاقتصاد كعلم، فنحن نشاركك شغف المعرفة بموقع بورصات ؛ فشاركنا برأيك.