تعريف المؤشرات الاقتصادية Economic Indicators
تُعد المؤشرات الاقتصادية من أكثر الأدوات استخدامًا لقياس الصحة العامة للاقتصاد وتقييمها. فعندما يرغب الخبراء والمحللون الاقتصاديون في التعرف على مدى قوة اقتصاد بلد ما، فإنهم يستخدمون هذه المؤشرات الاقتصادية الرئيسية التي تعكس الأوضاع الاقتصادية بدقة متناهية. ورغم أهمية المؤشرات الاقتصادية الرئيسية الثلاثة (الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات البطالة والتضخم)، فإنها، وبحسب الغالبية العظمى من كبار الاقتصاديين وصانعي السياسات الاقتصادية، غير كافية لتقييم الوضع الاقتصادي لأية دولة بشكل موثوق. لهذا السبب، تتعدد المؤشرات الاقتصادية وتتنوع من حيث أغراضها وأهدافها، ولكل مؤشر أهميته في قياس نشاط قطاع اقتصادي مُعين. ومن خلال قراءة هذه المؤشرات الاقتصادية لبلد ما مجتمعة، يمكننا الخروج بنتيجة نهائية عن الصحة الاقتصادية لهذا البلد، وإمكانية وجدوى الاستثمار في أسواقه.
في هذا المقال سنتعرف على المؤشرات الاقتصادية وأهميتها. وسنبدأ أولًا بتعريف المؤشرات الاقتصادية وأنواعها الثلاثة، الرائدة، المتأخرة والمتزامنة. وبعد ذلك نتناول أكثر المؤشرات الاقتصادية أهمية وتأثيرًا على الأسواق المالية وعلى الاقتصاد بشكل عام.
ما هي المؤشرات الاقتصادية؟
المؤشرات الاقتصادية Economic Indicators: هي إحصاءات وتقارير رسمية تُساعد على فهم الأداء والتوجه الاقتصادي لبلد أو منطقة ما. كما يمكن أن تتعلق هذه المؤشرات بقطاعات اقتصادية مُعينة، وما إذا كانت تعمل بكفاءة أم لا. وبالتالي تكمن أهمية هذه المؤشرات الاقتصادية في كونها تُساعد المُستثمرين في تحديد الوقت المناسب لشراء أو بيع استثماراتهم. وغالبًا ما تتعلق المؤشرات الاقتصادية بأداء الاقتصاد الكُلي Macroeconomic؛ لذا فإنها تُساعد المُحللين والخبراء على تقييم الصحة العامة للاقتصاد.
وبناءً على ذلك يمكن القول إن المؤشرات الاقتصادية هي مقاييس تُستخدم لتقييم الصحة العامة لمختلف جوانب الاقتصاد الكُلي. وتزودنا هذه المؤشرات بصورة كاملة للأنشطة الاقتصادية الرئيسية، كالناتج المحلي الإجمالي، ومعدلات الفائدة، والبطالة، والتضخم، وأمور أخرى مثل الإنفاق والاستهلاك، وما إلى ذلك. وتصدر المؤشرات الاقتصادية عن جهات ووكالات حكومية رسمية، ومنظمات دولية موثوقة، وحتى الشركات الخاصة تُصدر بعض المؤشرات الاقتصادية المتعلقة بأدائها العام.
وتصدر المؤشرات الاقتصادية لكل دولة في مواعيد مُحددة، يومية، أو أسبوعية، أو شهرية، أو ربع سنوية. وعادة ما تستحوذ على جل اهتمام المستثمرين، خاصة مُستثمري المدى الطويل. السبب في ذلك هو أن مستثمري المدى الطويل يعتبرون المؤشرات الاقتصادية –بمختلف أنواعها- مقاييسَ لقوة الاقتصاد؛ لأن المؤشرات الاقتصادية تُساعد في تحليل الأداء الاقتصادي، وتُحاول التنبؤ بالأداء الاقتصادي المستقبلي. ورغم أن كل مؤشر من هذه المؤشرات قد يُركز على قياس قطاع معين، فإنها مجتمعة تُقدم نظرة شاملة على السلوك والنمو الاقتصادي للدولة بشكل عام.
أنواع المؤشرات الاقتصادية
تنقسم المؤشرات الاقتصادية إلى ثلاثة أنواع رئيسية، هي:
- المؤشرات الرائدة (الاستباقية) Leading Indicators: وهي التي تُشير إلى التغيرات المستقبلية في الاقتصاد. وتتغير هذه المؤشرات الرائدة قبل تغير الاقتصاد، وبالتالي غالبًا ما تكون مفيدة في التنبؤ بالتطورات الاقتصادية قصيرة المدى.
- المؤشرات المتأخرة Lagging Indicators: وغالبًا ما تظهر بعد تغير الاقتصاد، لذلك فإنها تكون مفيدة عند استخدامها لتأكيد أنماط اقتصادية معينة. كما يمكن وضع تنبؤات اقتصادية بناءً على الأنماط. ومع ذلك، لا يمكن استخدام المؤشرات المتأخرة للتنبؤ مباشرة بالتغيرات الاقتصادية.
- المؤشرات المتزامنة (المتطابقة) Coincident Indicators: وهي المؤشرات التي توفر معلومات قيمة حول الوضع الحالي للاقتصاد في منطقة مُعينة. وتكمن أهميتها في أنها تظهر في الوقت نفسه الذي تحدث فيه التغيرات الاقتصادية.
لا يمكن لمؤشر اقتصادي واحد –مهما كانت درجة أهميته- أن يرسم صورة كاملة لحالة الاقتصاد. ولكن يمكن استخدام مجموعة متنوعة من المؤشرات الاقتصادية (على غرار المجموعة التي سنناقشها لاحقًا) لبناء تصور شامل حول مدى قوة الاقتصاد، واتخاذ القرارات الاستثمارية.
أكثر المؤشرات الاقتصادية أهمية
هناك العديد من المؤشرات الاقتصادية التي تنتمي إلى الأنواع الثلاثة المذكورة أعلاه. يمكن لكل مؤشر أن يساعد الاقتصاديين والمحللين الماليين في تحليل قطاع اقتصادي ما بدقة متناهية، وأن يُساعد المستثمرين على اتخاذ قرارات استثمارية ومالية ذكية.
الحقيقة الأكثر أهمية هي أن رغم أهمية المؤشرات الاقتصادية الكبيرة في اتخاذ القرارات الاستثمارية، فإنها لن تكون مفيدة إلا إذا فُسِّرَت بشكل صحيح. ومن ثم، فإن معرفة مواعيد إصدار المؤشرات الاقتصادية وقراءتها غير كافيين لاتخاذ أي قرار يخص الاستثمار، بل يجب أن يقترنا بتعلم كيفية تحليل المؤشر أو التقرير، وما إذا كان إيجابيًّا أم سلبيًّا للاقتصاد المَعْنِيِّ.
ملحوظة مهمة: يجب التنويه إلى أن بعض المؤشرات الاقتصادية التي سيرد ذكرها لاحقًا جرى تطبيقها على الاقتصاد الأمريكي لضرب الأمثلة. مع العلم أنه يمكن تطبيق هذه المؤشرات ذاتها (وإن كانت بأسماء مختلفة) على اقتصاد أي دولة أخرى؛ وذلك نظرًا لما تمثله هذه المؤشرات من أهمية في فهم الأداء والتوجه الاقتصادي لأي دولة.
فيما يلي سنعرض لأبرز المؤشرات الاقتصادية وأكثرها أهمية:
1- الناتج المحلي الإجمالي GDP
الناتج المحلي الإجمالي Gross Domestic Product واختصارًا (GDP)، وهو من المؤشرات المتأخرة. ويُعد من أبرز المؤشرات التي تُستخدم لقياس قوة الاقتصاد؛ كونه يُعبر عن الإنتاج والنمو الاقتصادي، وحجم الاقتصاد بشكل عام. ربما يكون قياس الناتج المحلي الإجمالي معقدًا، ولكن هناك طريقتان أساسيتان لقياسه:
- الأولى: طريقة الدخل Income Method، والتي تضيف إجمالي ما ربحه كل شخص خلال عام، بما في ذلك إجمالي أرباح الشركات والضرائب، وتخصم الإعانات وإجمالي تعويضات الموظفين.
- الثانية: طريقة الإنفاق Expenditure Method. وتجمع هذه الطريقة ما أنفقه كل شخص خلال العام، بما في ذلك إجمالي الاستهلاك والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات والاستثمارات.
يجب أن تكون نتائج هذين المقياسين متطابقة إلى حَدٍّ كبير. ومع ذلك، فإن الطريقة الثانية (الإنفاق) هي الطريقة الأكثر شيوعًا لأنها تتضمن الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل غالبية الناتج المحلي الإجمالي للبلد.
يتم التعبير عن الناتج المحلي الإجمالي عادة بالمقارنة مع الربع السابق أو السنة السابقة. على سبيل المثال، إذا ارتفع الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما بنسبة 2% في عام 2022، فإن اقتصاد هذا البلد قد نما بنسبة 2% منذ القياس السابق للناتج المحلي الإجمالي في عام 2021. وغالبًا ما تؤخذ أرقام إجمالي الناتج المحلي السنوية باعتبارها أفضل المؤشرات الاقتصادية المُستخدمة لقياس حجم الاقتصاد.
يستخدم الاقتصاديون نوعين مختلفين من الناتج المحلي الإجمالي عند قياس اقتصاد البلد:
- الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي Real GDP: والذي يأخذ في الاعتبار مُعدل التضخم.
- الناتج المحلي الإجمالي الاسمي Nominal GDP: وهو لا يأخذ في الاعتبار مُعدل التضخم.
وبشكل عام، تشير الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي إلى أن الشركات تجني مزيدًا من الأرباح. كما يُفترض زيادة في مستوى معيشة سكان هذا البلد. وعلى العكس من ذلك، فإن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي يُشير إلى انخفاض أرباح الشركات، وتدني مستوى معيشة المواطنين.
وتعتمد استجابة السوق لتغيرات الناتج المحلي الإجمالي على مقارنة الناتج المحلي الإجمالي لربع السنة الحالي بالأرباع السابقة. بالإضافة إلى مقارنته أيضًا بتوقعات الاقتصاديين لهذا الربع الحالي.
2- سوق الأسهم Stock Market
تُعتبر سوق الأسهم من أهم المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، إذ يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها مؤشر على مدى قوة الاقتصاد. تعتمد أسعار الأسهم جزئيًّا على الربح المتوقع للشركات. إذا كانت تقديرات أرباح الشركات دقيقة، فيمكن لسوق الأسهم بالتالي أن تُشير إلى اتجاه الاقتصاد بدقة كبيرة.
على سبيل المثال، فإن السوق الهابطة يمكن أن تُشير إلى انخفاض أرباح الشركة الإجمالية، وبالتالي إمكانية اتجاه الاقتصاد نحو الركود. من ناحية أخرى، فإن السوق الصاعدة قد تُشير إلى ارتفاع تقديرات الأرباح، وبالتالي قد يكون الاقتصاد ككل مزدهرًا أو في طريقه إلى الازدهار.
ورغم ذلك، فإن سوق الأسهم –بحد ذاتها- لا تُعتبر مؤشرًا رائدًا دقيقًا. سبب ذلك أن تقديرات الأرباح قد تكون خاطئة، أو أن سوق الأسهم نفسها قد تكون عرضة للتلاعب. على سبيل المثال، في وول ستريت ذاتها يمكن للشركات والمتداولين التلاعب بالأرقام لتضخيم الأسهم، من خلال استراتيجيات المشتقات المالية المعقدة، والصفقات ذات أحجام التداول الهائلة، ومبادئ المحاسبة المُضلِّلة!
وبالإضافة إلى ذلك، قد تستخدم الحكومة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي –مثلًا- أموال التحفيز الفيدرالي واستراتيجيات أخرى لإبقاء الأسواق عالية من أجل تجنب الذعر العام في حال حدوث أزمة اقتصادية. ونظرًا لأن السوق عرضة للتلاعب، فإن سعر السهم أو المؤشر ليس بالضرورة انعكاسًا دقيقًا لقيمته.
هناك أيضًا ما يُطلق عليه “فقاعات سوق الأسهم” Stock Market Bubbles، والتي يمكن أن تعطي نتيجة إيجابية مُضلِّلة لاتجاه الاقتصاد. لذلك، إذا تجاهل المستثمرون المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، وكانت هناك زيادات غير مدعومة في مستويات أسعار الأسهم، فقد يحدث انهيار في السوق. وأبرز مثال على ذلك ما رأيناه عندما انهارت السوق في عام 2008، نتيجة المبالغة في تقدير مقايضات التخلف عن السداد وقروض الرهن العقاري.
3- معدلات البطالة Unemployment Rate
مُعدل البطالة هو من أهم المؤشرات الاقتصادية المتأخرة. ويُصدر مكتب إحصاءات العمل Bureau of Labor Statistics تقديرًا شهريًّا للعدد التراكمي للوظائف المفقودة أو التي تم إنشاؤها في الشهر السابق. هذا بالإضافة إلى رقم النسبة المئوية الذي يمثل عدد الأمريكيين العاطلين عن العمل، أو الذين يبحثون عن عمل.
يتم تحديد معدل البطالة هذا من خلال مسح شهري لنحو 60.000 أسرة أمريكية. وهذا المسح يُقدر نسبة الأمريكيين العاطلين عن العمل خلال الفترة التي أجري فيها الاستطلاع. معدل البطالة يعكس فقط الأشخاص العاطلين عن العمل والذين يبحثون عن عمل.
تمثل بيانات الوظائف غير الزراعية Non-farm Payrolls إجمالي عدد العمال الذين توظفهم الشركات الأمريكية، بخلاف موظفي الحكومة العامة، والعاملين في المنازل الخاصة، وموظفي المنظمات غير الربحية التي تقدم المساعدة للأفراد وعمال المزارع.
وبشكل عام، فإن عدد الوظائف التي جرى توفيرها أو فقدها خلال شهر يمثل مؤشرًا مهمًّا على صحة الاقتصاد. كما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الأسواق المالية. فعندما تقوم الشركات بتوظيف مزيد من العمالة، فهذا يشير إلى أن الشركات تعمل بشكل جيد وتُحقق أرباحًا جيدة. كما أن المزيد من التوظيف يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تنبؤات بامتلاك المزيد من الأشخاص للأموال، وبالتالي زيادة الإنفاق، وهو أمر جيد للاقتصاد.
إذا ارتفعت معدلات البطالة بشكل أكبر من المتوقع، فقد يرتبط ذلك في بعض الأحيان بانخفاض أسعار الأسهم. ذلك لأن هذا التغير الكبير قد يشير إلى أن أصحاب العمل لا يستطيعون توظيف أكبر عدد ممكن من الأشخاص.
تذكر: من المهم للغاية مقارنة نتيجة المؤشر الاقتصادي بالتوقعات.
4- مؤشر أسعار المستهلك CPI
يُعد مؤشر أسعار المستهلك Consumer Price Index أو (CPI) من المؤشرات الاقتصادية المتأخرة. وتعتمد دول عديدة، مثل الولايات المتحدة، عليه بدرجة كبيرة مؤشرًا لقياس التضخم Inflation. وذلك لأن التغيرات في التضخم يمكن أن تحفز الاحتياطي الفيدرالي على إجراء بعض التغييرات في سياسته النقدية.
ويقيس مؤشر أسعار المستهلك التغيرات في الأسعار المدفوعة للسلع والخدمات من قبل المستهلكين في المناطق الحضرية لشهر محدد. وبالتالي، فإنه في الأساس يُتَّخَذ مقياسًا لتغيرات تكلفة المعيشة. كما أنه يوفر مقياسًا دقيقًا للتضخم من حيث صلته بشراء تلك السلع والخدمات. ويأخذ مؤشر أسعار المستهلك عينات من أسعار عدة مئات من السلع والخدمات (نحو 200 فئة). ويقوم مكتب إحصاءات العمل بتجميع هذه البيانات عن طريق المكالمات الهاتفية والزيارات الشخصية لعدد 87 منطقة حضرية في الولايات المتحدة.
ومع ذلك، فإن مؤشر أسعار المستهلك لا يشمل ضرائب الضمان الاجتماعي أو الدخل أو الاستثمارات في الأسهم أو السندات أو التأمين على الحياة. غير أنه يشمل جميع ضرائب المبيعات المرتبطة بشراء هذه السلع.
5- مؤشر أسعار المنتجين PPI
مؤشر أسعار المنتجين Producer Price Index أو (PPI) هو من المؤشرات الاقتصادية المتزامنة. ويتتبع هذا المؤشر تغيرات الأسعار في جميع قطاعات إنتاج السلع تقريبًا، بما في ذلك التعدين والتصنيع والزراعة والغابات وصيد الأسماك. كما يتتبع مؤشر أسعار المنتجين أيضًا تغيرات الأسعار لجزء عريض من القطاعات غير المنتجة للسلع في الاقتصاد.
يقيس المؤشر (والذي يصدر على هيئة تقرير) أسعار السلع تامة الصنع والسلع الوسيطة والسلع الخام. ويجري تتبع الأسعار من آلاف المؤسسات كل شهر، وتُسجل على موقع الويب الخاص بمكتب إحصاءات العمل بالولايات المتحدة. ويعتبر مؤشر أسعار المنتجين مهمًّا للغاية؛ لأنه أول مقياس مُتاح يُعنى بمعدل التضخم خلال شهر. ذلك أنه يلتقط تحركات الأسعار على مستوى البيع بالجملة، قبل أن تظهر تغيرات الأسعار على مستوى البيع بالتجزئة.
6- الميزان التجاري Balance of Trade
الميزان التجاري من المؤشرات الاقتصادية المتأخرة. وهو يُشير إلى صافي الفارق بين قيمة الواردات والصادرات لبلد ما، ويوضح ما إذا كان هناك فائض تجاري أو عجز تجاري.
- الفائض التجاري Trade Surplus؛ هو أمر جيد للاقتصاد بشكل عام. ويُظهر أن هناك أموالًا تدخل إلى الاقتصاد أكثر من الأموال الخارجة منه.
- العجز التجاري Trade Deficit؛ وهو سيء في المُجمل. ويُظهر أن الأموال الخارجة من الاقتصاد أكثر من الأموال المُتدفقة إليه.
يمكن أن يؤدي العجز التجاري إلى ديون محلية كبيرة. على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي العجز التجاري إلى انخفاض قيمة العملة المحلية لأنه يؤدي إلى ديون كبيرة. زيادة الديون بدورها ستؤدي إلى تقليل مصداقية العملة المحلية. كما يمكن أن يؤدي إلى عبء مالي كبير على الأجيال القادمة، والتي ستكون مُجبرة على سداد هذه الديون.
ومع ذلك، يجب أن نضع في اعتبارنا أنه إذا كان الفائض التجاري مرتفعًا للغاية، فقد لا يستفيد البلد من فرصة شراء المنتجات من بلدان أخرى. لهذا السبب، في الاقتصاد العالمي، تتخصص الدول في تصنيع منتجات معينة، بينما تشتري السلع التي تنتجها الدول الأخرى بكفاءة أكبر وبسعر أرخص. وهذا هو محور نظرية الميزة النسبية Comparative Advantage Theory لدافيد ريكاردو David Ricardo.
7- مؤشر بدايات الإسكان Housing Starts
يُعد مؤشر بدايات الإسكان من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، ويصدر بشكل شهري عن مكتب إحصاءات العمل الأمريكي. ومؤشر بدايات الإسكان عبارة عن تقدير لعدد الوحدات السكنية التي جرى إنشاؤها أو التي نُفِّذَ عدد من الأعمال الإنشائية عليها خلال هذا الشهر. وفي هذا التقرير، يجري توفير البيانات لمباني الوحدات المتعددة، وكذلك للمنازل الخاصة بالأسر. كما تشير البيانات إلى عدد المنازل التي جرى إصدار تصاريح بناء لها، وعدد مشاريع بناء المساكن التي بُدِءَ فيها وانْتُهِيَ منها. وبالتالي، فإن مؤشر الإسكان يعامل باعتباره مقياسًا موثوقًا لقوة قطاع الإسكان في الولايات المتحدة.
وتعتبر عمليات بناء المساكن حساسة للغاية للتغيرات في معدلات الرهن العقاري Mortgage Rates، والتي تتأثر بدورها بالتغيرات في أسعار الفائدة. وعلى الرغم من أن بناء المساكن مؤشر شديد التقلب، فإنه يمثل حوالي 4% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، يمكن لهذا المؤشر الإشارة إلى تأثيرات الظروف المالية الحالية، وكذلك التغيرات في الاقتصاد بشكل عام. لهذا السبب، يراقب الاقتصاديون والمحللون الاتجاهات طويلة الأجل في بدايات الإسكان من خلال هذا المؤشر.
8- أسعار الفائدة Interest Rates
وأسعار الفائدة تُدرج ضمن المؤشرات الاقتصادية المتأخرة، وهي تُعبر أيضًا عن النمو الاقتصادي. وتستند أسعار الفائدة إلى معدل الأموال الفيدرالية Federal Funds Rate الذي تحدده اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة Federal Open Market Committee أو (FOMC). عندما يرتفع معدل الأموال الفيدرالية، ترتفع أيضًا أسعار الفائدة. وبطبيعة الحال، يرتفع معدل الأموال الفيدرالية أو ينقص نتيجة للأحداث الاقتصادية وأحداث وتقلبات السوق.
وعندما ترتفع أسعار الفائدة، يكون المقترضون أكثر ترددًا في الحصول على قروض. وهذا بحد ذاته يُثني المستهلكين عن الاقتراض، ويُعيق توسع الشركات بدرجة كبيرة. ونتيجة لذلك، قد يحدث ركود في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى الجانب الآخر، إذا كانت أسعار الفائدة منخفضة للغاية، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على النقود، ومن ثم زيادة احتمالية حدوث تضخم اقتصادي. يمكن لارتفاع معدلات التضخم أن يؤدي إلى الإضرار بالاقتصاد وتدهور قيمة العملة. لهذه الأسباب، فإن أسعار الفائدة السائدة تعكس بشكل كبير الوضع الحالي للاقتصاد، ويمكن أن تشير أيضًا إلى الاتجاه الذي قد يتجه إليه الاقتصاد.
9- قوة العملة Currency Strength
تُعد قوة العملة من المؤشرات الاقتصادية المتأخرة. وبشكل عام، عندما يكون لدولة ما عملة قوية، تزداد قدرتها الشرائية والبيعية مع الدول الأخرى. ويمكن للدولة التي تمتلك عملة قوية أن تستورد المنتجات بسعر أرخص، وأن تبيع منتجاتها في الخارج بأسعار أعلى، وبالعملة الأجنبية.
ومع ذلك، فإن تدني قيمة العملة قد يحمل في طياته بعض الفوائد للدولة. على سبيل المثال، عندما تكون عملة الدولة ضعيفة، فهذا يُساعدها على جذب المزيد من السياح، كما أن ضعف قيمة عملة الدولة قد يُشجع الدول الأخرى على شراء سلعها لأنها أرخص.
10- نشاط التصنيع Manufacturing Activity
نشاط التصنيع من المؤشرات الاقتصادية الرائدة (الاستباقية). وتُعد الطلبات على السلع المعمرة Durable Goods Orders مؤشرًا مهمًّا على نشاط التصنيع. ويشير مصطلح “السلع المعمرة” إلى المنتجات الاستهلاكية التي تدوم ولا تُستبدل عادةً لبضع سنوات على الأقل، مثل الثلاجات والسيارات ونحوها. عند نهاية كل شهر، ينشر مكتب الإحصاء بوزارة التجارة تقريره عن السلع المعمرة.
طلبات السلع المعمرة مقياسٌ للطلبات الجديدة التي يتلقاها المصنعون لتلك الأنواع من السلع. وعامة تعتبر الزيادة في طلبات السلع المعمرة علامة على صحة الاقتصاد. في حين أن الانخفاض قد يشير إلى وجود مشكلة في الاقتصاد. قد ترتبط الزيادات أو النقص في طلبات السلع المعمرة أيضًا بارتفاع أو انخفاض مؤشرات الأسهم، على التوالي.
11- الدخل والأجور Income and Wages
مؤشر الدخل والأجور من المؤشرات الاقتصادية المتأخرة. وبشكل عام، عندما يعمل الاقتصاد بشكل جيد، ينبغي أن تكون هناك زيادة في الأرباح تواكب متوسط تكلفة المعيشة. وعلى النقيض من ذلك، عندما ينخفض الدخل بالنسبة لمتوسط تكلفة المعيشة، فهذه علامة على أن أصحاب العمل إما يسرحون العمال، أو يخفضون معدلات الأجور، أو يقللون ساعات العمل. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يشير انخفاض الدخل أيضًا إلى بيئة اقتصادية غير مُشجعة للاستثمار، ولا تعمل فيها الاستثمارات بشكل جيد.
يُقَسَّم الدخل (في كل بلد) حسب التركيبة السكانية المختلفة، مثل العمر والجنس ومستوى التعليم والعرق. يمكن أن تعطي هذه التركيبة السكانية نظرة ثاقبة حول كيفية تغير الأجور لمجموعات معينة. ولكن، يجب مراعاة أن الاتجاه الذي قد يؤثر على ما يبدو أنه مجموعة صغيرة واحدة فقط، قد يشير في الواقع إلى مشكلة دخل للبلد بأكمله، وليس فقط المجموعة التي تؤثر عليها في البداية.
12- إنفاق المستهلكين Consumer Spending
ويُعبر عنه من خلال تقرير مبيعات التجزئة Retail Sales Report، ويصدر غالبًا في يوم 13 من كل شهر عن مكتب الإحصاء الأمريكي. ويُعد تقرير مبيعات التجزئة من المؤشرات الاقتصادية المتأخرة، غير أنه واقعيًّا يمكن إدراجه ضمن المؤشرات الاقتصادية المتزامنة. سبب ذلك هو أن الانخفاض في قراءة المؤشر يمكن أن تزيد من الخوف من الركود، وغالبًا ما تسبق الزيادات ارتفاع أرقام مؤشر أسعار المستهلك.
وتقرير مبيعات التجزئة هو مقياس لجميع المبيعات التي جرت من قِبل متاجر البيع بالتجزئة في الولايات المتحدة. يمكن أن يكون لارتفاعه وهبوطه تأثير مباشر على سوق الأوراق المالية، أو على الأقل قطاع التجزئة. وبشكل عام، عندما تكون المبيعات أعلى، يكون إنفاق المستهلكين أكثر، وتميل الشركات إلى الأداء بشكل أفضل. وعلى العكس من ذلك، عندما تنخفض المبيعات، يقل الإنفاق، وينخفض أداء الشركات.
تعليق ختامي
مما سبق تتضح لنا أهمية المؤشرات الاقتصادية للمحللين والخبراء الاقتصاديين والمستثمرين على حد سواء. ذلك لأنها تُساعد بشكل كبير في التنبؤ باتجاهات الاقتصاد على المدى القصير والمتوسط والطويل، وتُمكن المستثمرين، في مختلف الأسواق المالية، من اتخاذ قرارات استثمارية ذكية ومدروسة وإدارة محافظهم بالشكل الأمثل.
الغرض الرئيسي من المؤشرات الاقتصادية هو الإحاطة بحالة الاقتصاد. لذلك، تجري متابعة إصدارات المؤشرات الاقتصادية على نطاق واسع، حيث إنه يمكن للأسواق أن تتحرك بشكل كبير طبقًا لكل إصدار. ويُعَدِّل المتداولون والمستثمرون مراكزهم بناءً على نتائج هذه الإصدارات. وبالتالي، فإن معظم أسس التحليل الأساسي تستند إلى المؤشرات الاقتصادية.
ونظرًا لأن معظم المؤشرات الاقتصادية يصدرها صانعو السياسات في المقام الأول، فيمكن لهذه المؤشرات أيضًا أن تؤثر على القرارات السياسية وتُغَيِّر مسار الاستراتيجيات السياسية للدول في نهاية المطاف.
وأخيرًا، لنضع في اعتبارنا أن المؤشرات الاقتصادية لها تأثير كبير على اقتصادات البلدان الخاصة بكل مؤشر. على سبيل المثال، سيكون لإصدارات البيانات البريطانية تأثير مباشر على مؤشر فوتسي 100 FTSE 100 والجنيه الإسترليني والشركات البريطانية، أكثر من تأثيرها على الأسواق الأخرى.
الخلاصة
- المؤشرات الاقتصادية: هي إحصاءات وتقارير رسمية تُساعد على فهم الأداء والتوجه الاقتصادي لبلد أو منطقة ما. كما يمكن أن تتعلق المؤشرات هذه بقطاعات اقتصادية مُعينة، وما إذا كانت تعمل بكفاءة أم لا. ويمكن لها أن تُساعد المُستثمرين في تحديد الوقت المناسب لشراء أو بيع استثماراتهم.
- غالبًا ما تتعلق المؤشرات الاقتصادية بأداء الاقتصاد الكُلي، لذا فإنها تُساعد المُحللين والخبراء على تقييم الصحة العامة للاقتصاد. وتُساعد المؤشرات الاقتصادية في تحليل الأداء الاقتصادي، وتُحاول التنبؤ بالأداء الاقتصادي المستقبلي.
- تصدر المؤشرات الاقتصادية في مواعيد مُحددة، يومية، أو أسبوعية، أو شهرية أو ربع سنوية.
- أنواع المؤشرات الاقتصادية
- المؤشرات الرائدة (الاستباقية): وهي التي تُشير إلى التغيرات المستقبلية في الاقتصاد، وتتغير المؤشرات الرائدة قبل تغير الاقتصاد.
- المؤشرات المتأخرة: وغالبًا ما تظهر بعد تغير الاقتصاد، لذلك فإنها تكون مفيدة عند استخدامها لتأكيد أنماط اقتصادية معينة.
- المؤشرات المتزامنة (المتطابقة): وهي المؤشرات التي توفر معلومات قَيِّمَة حول الوضع الحالي للاقتصاد في منطقة مُعينة.
- أكثر المؤشرات الاقتصادية أهمية
- الناتج المحلي الإجمالي.
- سوق الأسهم.
- معدلات البطالة.
- مؤشر أسعار المستهلك.
- مؤشر أسعار المنتجين.
- الميزان التجاري.
- مؤشر بدايات الإسكان.
- أسعار الفائدة.
- قوة العملة.
- نشاط التصنيع (يُعَبر عنه من خلال تقرير الطلبات على السلع المعمرة).
- الدخل والأجور.
- إنفاق المستهلكين (يُعَبر عنه من خلال تقرير مبيعات التجزئة).