يُعتبر التداول في أسواق الفوركس Forex من أصعب الأشياء التي قد يقوم بها أي فرد، نظراً لأنها تتمتع بخطورة كبيرة، فقد تفقد كل رأس مالك في لحظة واحدة إذا لم تضع الاحتياطات اللازمة ولم تتبع خطة إدارة رأس مال صارمة Money management، ويمكننا القول بأن ديننا الإسلامي لم يترك لنا أي شيء من أمور الدنيا إلا ووضع لها قواعد وأسُس حتى يحمينا من أن نقع في الحرام، لأن الدين الإسلامي عندما نزل على سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم حثّ الإنسان على السعي وطلب الرزق، ووضع قواعد لذلك، نظراً لما تتضمنه الحياة من عناصر كثيرة غامضة والتي تجعلنا في مواجهة خيارات مُتعددة ونتائج غير واضحة، ورغم التقدم التكنولوجي الذي شهدته البشرية مع بداية القرن الواحد والعشرين ميلادياً إلا أن قواعد ديننا الحنيف مازالت تثُبت يوماً بعد يوم أن القرآن الكريم والسُنة النبوية الشريفة صالحان لكل العصور والأزمنة، قال تعالى “و ما ينطق عن الهوى”. يتساءل العديد من الناس عن إذا ما كان تداول العملات حلال أم حرام؟ و لكي نجُيب على هذا السؤال حول شرعية تداول العملات سنقوم أولاً بشرح تعريف تداول العملات أو ما يُعرف بالفوركس.

تعريف تداول العملات – الفوركس Forex

سوق الفوركس أو سوق تبادل العملات الأجنبية Foreign Exchange Market (Forex)، هو أكبر سوق مالي في العالم، فأحجام التداولات تتجاوز 38.9 تريليون دولاراً يومياً، وهو سوق عالمي غير مركزي، يتم فيه التداول أون لاين Online عبر شركات السمسرة Brokers، إذا رأى المُتداوِل أن سعر صرف عملة مُعينة سوف يرتفع، فيقوم بشرائها على أمل تحقيق المكسب، من جهة أخرى إذا رأى المتداول أن سعر صرف عملة مُعينة سوف ينخفض يقوم ببيعها ثم إعادة شرائها على أمل تحقيق المكسب، يشُارك في هذا السوق كل المؤسسات المالية في العالم بدءاً بالبنوك المركزية والحكومات Central Banks/ Governments من أجل تحديد سعر صرف عملتها، ثم البنوك الكبرى Banks والشركات التجارية Companies من أجل الأمور التجارية بين البلُدان، وصناديق التحوط Hedge Funds والتي تدُير محافظ استثمارية بمليارات الدولارات.

سوق الفوركس أو سوق تبادل العملات ليس أمراً مُستحدثاً، فهو موجود منذ القِدَم، حيث كان العامة من الناس يبدلون أموالهم بأموال أخرى عند السفر والتنقل بين البلُدان، و أيضاً تقوم بذلك الشركات الكبيرة والتي تعمل في مجال التجارة العالمية، فهي تقوم بعملية الإنتاج في بلد ثم تقوم بتوزيع المُنتج و بيعه في دول مُتعددة بمُختلف عملات تلك البلُدان، مما يؤدي إلى اختلاف أسعار صرف هذه العملات.

 

مُحرمات الإسلام في التجارة:

جميع الأعمال التجارية والعقود المالية في التمويل الإسلامي يجب أن تتوافق مع قواعد الشريعة. المحرمات الأساسية في التمويل الإسلامي هي: الربا أي التعاملات المبنية على الفائدة، المخاطرة الزائدة أو الغرر أي المُخاطرة بجميع الأموال، والمقامرة أي الاعتماد على الحظ.

هذه الأمور يجب عليك معرفتها قبل أن تخوض في أي تجارة سواء تداول العملات ، أو أي تجارة أخرى.

تداول العملات حلال أم حرام

تداول العملات في أسواق الفوركس يتم عن طريق عمليات شرائية وبيعية أون لاين Online، فالمُشتري والبائع لا يرون بعضهم البعض، وهناك حديث عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث رواه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: “الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح مثلاً بمثل، سواء بسواء يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربا”. و كانت هذه الأمور مقبولة عالمياً كأدوات أساسية للتبادل في الأوقات الأولى للإسلام، و لكن في حالة تبادل العملات الورقية والتي تنتمي لدول مُختلفة، فإن القيمة الداخلية أو قيمة العملة الورقية لا يمكن أن تحُدد أو تقُيم على عكس الذهب والفضة التي يمكن وزنها، وبالتالي، فإن أوامر الشريعة بتحريم الربا لا تنطبق على العملات الورقية، ولذلك فمثل هذا التبادل يعُتبر جائزا.

هناك شيئاً عليك أن تتجنبه عند التداول في أسواق العملات، فإذا قمت بفتح صفقة ما ولم تغلق الصفقة قبل الساعة الخامسة بتوقيت نيويورك، تحصل تلقائياً عملية التبييت Swap، وهي مُشكلة شرعية، فالبعض يرى أن عمولة التبييت بها شبه فائدة ربوية، لأن نسبة فائدة العملات تدخل في حساب التداول، وهناك رأياً آخر يرى بأن هذه ليست فائدة ربوية بل عمولة مُقابل خدمة تمديد حياة العقد التجاري، ولكي يتم التخلّص من هذا الأمر قامت العديد من شركات الفوركس بعمل حسابات إسلامية بحيث تكون خالية من فائدة التبييت Swap من أجل تجنّب هذه المشكلة.

متداولي الفوركس لا يتوقعون الحصول على العملة الفعلية التي يقومون بشرائها، ولا يمتلكون السلعة التي يبيعونها، فهل هذا الشراء مُباح؟، يدُرك الإسلام بأن جميع البشر يسعون لتحسين وضعهم المالي و بأن الحياة تتضمن عناصر من الغموض، والجميع يسعى لاستخدام الذكاء والمهارة في الاختيار بين الخيارات المُتاحة والتي سوف تعُطي النتائج الأفضل ولكن علينا التأكيد بأن المُقامرة في الإسلام حرام حتى لو كانت على شكل ترفيه، طريقة المُضاربة في أسواق المال وأسواق العملات هي التي تصنع الفرق وهي التي تُحدد إذا كان تداول العملات حلال أم حرام، فالتداول يجب أن يكون قائماً على أسُس قوية لتوقع النجاح وليس بأسلوب عشوائي أو مُقامرة، وهناك تحليلات فنية وتحليلات أساسية وهي طُرق التداول المُستخدمة في أسواق المال، فعند استخدامك للتحليل الأساسي فأنت تقوم بدراسة اقتصاد البلد عن طريق البيانات التي تخرج سنوياً على المؤشرات الاقتصادية مثل: التضخم وأسعار المُستهلكين والسياسة النقدية للبنوك، وهناك التحليلات الفنية والتي تقوم بدراسة حركة السعر على الرسم البياني وقد تم تأسيس عدة مدارس فنية أثبتت كلها نجاحتها وقدرتها على توقع حركة الأسعار القادمة. مُشكلة الرافعة المالية “المارجن” Leverage وصْف البعض بأنه يدخل تحت المحظورات لأن به شبهة ربا، ولكن بالنظر إلى ما يحدث في الرافعة المالية Leverage : أنت فاتح حساب تداول بـ 500$ و أخذت رافعة مالية من الشركة بمقدار 1: 50، مما يضيف لك إمكانية المُتاجرة بـ 25000$، ولكنها تجعلك تشتري بقيمة أكبر وفي حالة حدوث خسارة فأنت تخسر فقط مبلغك الأصلي 500$، فالشركة لا تسمح لك بخسارة المبلغ الذي تعُطيه لك، وفي حالة الربح فالشركة لا تأخذ منك أي سنت كفائدة، فهنا نرى بأن الرافعة المالية Leverage لا تمُت إلى الربا بأي صلة.

 

كيفية البعُد عن مُحرمات تداول العملات – الفوركس Forex

يجب عليك أن تتجنب بعد المُحرمات أو شُبهات المحرمات عند التداول في أسواق العملات:

– يجب على العميل التأكد من عدم دفع أي فائدة ربوية على عمليات التداول سواء الشراء Buy أو البيع Sell وأنها تتم بصورة فورية.

– العملاء الذين لا يملكون ثمن العقد الكامل يمكنهم المُضاربة بإستخدام الرافعة المالية والتي تتُيح لهم المضاربة بعقود أكبر بكثير من حساباتهم مع ضمان عدم وجود فائدة ربوية في ذلك.

– التأكد من إلغاء الفائدة التي تنزل على الصفقات في حالة التبييت Swap وذلك عن طريق الإتصال بالشركة وإلغاء هذا الأمر في التعاقد.

– عدم التداول والمُتاجرة بأسلوب عشوائي و الوقوع في المُقامرة، يجب أن تكون عمليات الشراء و البيع Sell تتم عن دراسة وأسباب سواء كانت تحليلات فنية Technical أو تحليلات أساسية Fundamental. وقد أشار أ.د. على محيي الدين القره داغي – أستاذ ورئيس قسم الفقه والأصول بكلية الشريعة / جامعة قطر- من موقع إسلام أون لاين حول شروط التعامل في المضاربة في سوق العملات:

“لا شك أن التعامل في العملات من أصعب المُعاملات المالية في الفقه الإسلامي، حيث يشترط فيه التقابض في المجلس، و هو ما قاله الرسول صلى الله عليه و سلم (يدا بيد)، ولكن الفقهاء المُعاصرين اعتبروا تسجيل المبلغ في الحساب البنكي بمثابة القبض، وبذلك صدرت القرارات والفتاوى الجماعية، ولذلك فمن أهم شروط التعامل بالعملات:

  • أن يتم البيع والشراء بصورة فورية وليس فيها شرط التأجيل .
  • أن يتم تسجيل عمليات التداول في كلا الحسابين البائع والمشتري .
  • أن يتم دفع ثمن الصفقة بالكامل دون أي تأخير .
  • أن لا يكون هناك وجود لأي فائدة ربوية في هذه الصفقات، فإذا وجدت فائدة ربوية فإن العقد فاسد وباطل ومحرم، لذا فإن السبيل الوحيد للخروج من هذا المحرم أحد الأمرين: إما أن يشتري الإنسان بقدر ما عنده من نقود، أو يأخذ قرضاً بدون فائدة من الوسيط، كما أنه لا يأخذ أي فائدة ربوية من نقوده.”

تداول العملات حلال أم حرام موضوع ليس بالموضوع المُحيّر، ويمكنك البحث عن دور الإفتاء الموجودة عبر شبكات الانترنت.

 

المُلخص

سوق تداول العملات “الفوركس” من أكبر الأسواق المالية في العالم وأكثر خطورة، وحاولنا في هذا المقال الإجابة على سؤال تداول العملات حلال أم حرام، لذا يجب عليك قبل أن تقوم بفتح حساب تداول في شركات السمسرة Broker أن تقوم بفتح حساب إسلامي وتكون على دراية  ووعي بالخطورة والمحاذير الإسلامية.