أثار انهيار اثنين من أكبر البنوك الأمريكية الشكوك في النظام المصرفي الأمريكي برمته. وقد اتخذت السلطات الأمريكية مؤخرًا إجراءات طارئة لتعزيز الثقة في النظام المصرفي بعد أن هدد فشل بنكا سيليكون فالي Silicon Valley وسيجنتشر Signature  بإثارة أزمة مالية لم يُعرف مداها بعد.

ورغم إعلان الإدارة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي أنه بإمكان عملاء البنوك المنهارة الوصول إلى جميع ودائعهم اعتبارًا من يوم الاثنين، وإنشاء تسهيلات جديدة لمنح البنوك إمكانية الوصول إلى أموال الطوارئ، إلا أن الأمور على ما يبدو بدأت تخرج عن السيطرة على إثر عمليات السحب المهولة التي أجراها العملاء منذ نهاية الأسبوع الماضي.

وكان بنك سيليكون فالي، والذي يركز على الشركات الناشئة، قد عانى يوم الجمعة من أكبر انهيار مصرفي منذ الأزمة المالية عام 2008، في صدمة هزت الأسواق العالمية، وتركت مصير مليارات الدولارات المملوكة لشركات ومستثمرين مجهولًا.

ولمواجهة الأزمة، أغلق المنظمون المصرفيون المقر الرئيسي للبنك في كاليفورنيا، ومنحوا المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع FDIC حق التصرف في أصوله.

ويُصنف سيليكون فالي في المرتبة 16 في ترتيب البنوك الأمريكية بأصول تبلغ 209 مليار دولار.

وإلى حد الآن، فإن تفاصيل وأسباب الانهيار المفاجئ للبنك لا تزال غامضة، لكن رفع أسعار الفائدة المتواصل من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي في العام الماضي، والذي أعاق الظروف المالية في مجال الشركات الناشئة التي كان سيليكون فالي لاعباً بارزاً فيها، بدت في مقدمة هذه الأسباب.

وبينما كان البنك يحاول زيادة رأس المال لتعويض الودائع المسحوبة، خسر 1.8 مليار دولار على سندات الخزانة التي فقدت قيمتها بسبب رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة.

ومن ناحية أخرى، أغلق المنظمون في نيويورك بنك سيجنتشر، الذي يركز على قطاع التكنولوجيا وعلى العملات المشفرة، بعدما تعرض لضغوط هائلة في الأيام الأخيرة، وقالوا إنه يتعين عليه إنهاء أعماله على الفور.

رد فعل الاحتياطي الفيدرالي

وكرد فعل مباشر، قام الاحتياطي الفيدرالي بالتسهيل على البنوك الاقتراض منه في حالات الطوارئ.

وعلى الرغم من أن هذا الإجراء خفف إلى حد ما من وقع الصدمة لدى شركات بنكي سيليكون فالي وسيجنتشر والأسواق العالمية يوم الاثنين، إلا أن المخاوف بشأن المخاطر المصرفية الأوسع لا تزال قائمة وألقت بظلال من الشكوك حول ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يلتزم بخطته لزيادة أسعار الفائدة.

وقال كارل شاموتا، كبير استراتيجيي الأسواق في Corpay في تورنتو: “نعتقد أن الخطوات التي اتخذها بنك الاحتياطي الفيدرالي ووزارة الخزانة والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع ستكسر بشكل حاسم حلقة الفزع النفسية تجاه القطاع المصرفي الإقليمي”.

ولكن، وسواءً كانت هذه التخمينات صحيحة أم لا، فإن هذا “الفزع” سيسهم بدوره في موجة عاتية من التقلبات في الأسواق المالية الأمريكية على وجه الخصوص، حيث يراقب المستثمرون بحذر ظهور تصدعات أخرى مع استمرار تشديد سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي.

ويؤكد تدخل إدارة بايدن كيف أن الحملة القاسية التي يقودها بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية الكبرى لدحر التضخم تضع ضغوطًا على النظام المالي والأسواق العالمية.

ويمثل بنك سيليكون فاليSVB  الدعامة الأساسية لاقتصاد الشركات الناشئة، والذي يعتبر نتاجًا لعقود طويلة من العمل لتوفير الأموال الرخيصة بمخاطر فريدة جعلته عرضة للخطر بشكل خاص.

ومع اندلاع المخاوف من أزمة مالية وشيكة، انهالت طلبات السحب عليه وعلى غيره من البنوك الأسبوع الماضي، وتسارعت المخاوف أيضًا من حدوث أزمات مماثلة تطال البنوك الإقليمية الأخرى التي تتشابه مع سيليكون فالي.

كما أنه، ومع استعداد بنك الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة رفع أسعار الفائدة، قال المستثمرون إن النظام المالي بات مهددًا بالفعل، وأنه يجب على الاحتياطي الفيدرالي التدخل بشكل حاسم لإنقاذ الوضع.

وقال محللو بنك جولدمان ساكس إنهم يتوقعون تراجع بنك الاحتياطي الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل للسياسة النقدية في 21 و 22 مارس الحالي، وسط هذه الضغوط الهائلة على القطاع المصرفي.

حماية المودعين

أثار انهيار بنك سيليكون فالي (والذي يمثل أكبر انهيار مصرفي منذ العام 2008) المخاوف بشأن ما إذا كان عملائه من رواد الأعمال الصغيرة قادرين على الوفاء بالتزاماتهم ودفع رواتب موظفيهم أم لا. علمًا بأن نحو 89% من ودائع سيليكون فالي، البالغة 175 مليار دولار، كانت غير مؤمنة حتى نهاية عام 2022، وفقًا لمؤسسة التأمين الفيدرالية.

وبحسب بيان مشترك لوزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، ورئيس شركة التأمين على الودائع الفيدرالية مارتن جروينبرج، فإن جميع المودعين، بمن فيهم أولئك الذين تتجاوز أموالهم الحد الأقصى للتأمين الحكومي، سيتم تحويلهم بالكامل إلى صندوق تأمين الودائع، والذي يملك الأموال الكافية للوفاء بكل الالتزامات.

بينما صرح مسؤول كبير بوزارة الخزانة الأمريكية إن الإجراءات المتخذة ستحمي المودعين، مع توفير دعم إضافي للنظام المصرفي الأوسع، لكن المسؤولين والهيئات التنظيمية يترقبون بحذر ما ستؤول إليه الأمور بالنسبة للنظام المالي.

ومن جهة أخرى، قال مسؤولو وزارة الخزانة إن المودعين في بنك سيجنتشر في نيويورك، الذي أغلقه المنظم المالي لولاية نيويورك يوم الأحد، سيُعاملون بالمثل.

وعلى غرار سيليكون فالي، فإن عملاء بنك سيجنتشر يتركزون في قطاع التكنولوجيا، غير أنه، ومع الارتفاع المستمر في رفع أسعار الفائدة، تزايدت الضغوط على الميزانيات العمومية لهذين البنكين وتآكلت أوراقهما المالية، بجانب بنوك أخرى لا زالت تكافح لتفادي الأزمة.

وقد صرح مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية إنه في حين ستتم حماية جميع ودائع العملاء، فإن السياسات الجديدة التي تم تبنيها ستقضي على حقوق المساهمين وحاملي السندات في البنكين.

مزيد من الشكوك

يتوقع كثير من المحللين المزيد من الصدمات للقطاع المصرفي الأمريكي، حيث أدت هذه الحادثة إلى تزايد القلق بشأن المخاطر الخفية في القطاع المصرفي وتعرضه لارتفاع تكلفة الأموال.

يقول كريستوفر والين، رئيس مجلس إدارة Whalen Global Advisors: ” قد يكون هناك حمام دم الأسبوع المقبل … الباعة على المكشوف موجودون وسيهاجمون كل البنوك، وخاصة البنوك الصغرى”.

وعلى الجانب الآخر، قالت وزارة الخزانة الأمريكية إن وزيرة الخزانة جانيت يلين التقت على الفور بمنظمي البنوك وأعربت عن “ثقتها الكاملة” في قدراتهم على الاستجابة للوضع المتأزم. وبسؤاله عن انهيار هذه البنوك، قال البيت الأبيض إنه “يثق في قدرة المنظمين الماليين الأمريكيين على تجاوز الأزمة”.