تزايدت أهمية الاقتصاد الدولي في الآونة الأخيرة بشكل كبير، ولأسباب عديدة. فمع نهاية الحرب العالمية الثانية، تزايد إدراك دول العالم لأهمية التكامل الاقتصادي والمالي فيما بينها، حيث شهدت حركة التجارة العالمية نموًّا كبيرًا في ظل تحركات وجهود كثير من الدول نحو تحرير التجارة من أية قيود، وإزالة العقبات التي تواجهها.

وقد تمثلت هذه الجهود في المفاوضات والاتفاقيات التجارية، وأهمها الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة، والمعروفة اختصارًا باسم الجات GATT. كما تم إنشاء بعض المنظمات المعنية بتنظيم حركة التجارة بين الدول، على غرار منظمة التجارة العالمية.

وبالمثل، أسهم التطور الكبير الذي شهده قطاع تكنولوجيا الاتصالات في تسهيل التواصل بين الدول، وسرعة نقل وتبادل المعلومات بصورة أكبر. ومن هنا برزت أهمية الاقتصاد الدولي باعتباره مجالًا يحتاج إلى مزيد من التعمق والدراسة.

في هذا المقال سوف نتعرف على أهمية الاقتصاد الدولي. وسنبدأ بتعريف الاقتصاد الدولي وأهم فروعه. وبعد ذلك سنناقش أهمية الاقتصاد الدولي باعتباره المجال الأبرز الذي يقود إلى التكامل الاقتصادي العالمي. كما سنُلقي الضوء على أهمية الاقتصاد الدولي في دراسة تأثير تحرير التجارة على استقلالية الدول. وأخيرًا سنتعرف على بعض الموضوعات التي يتناولها الاقتصاد الدولي.

أولًا: ما هو الاقتصاد الدولي؟

علم الاقتصاد الدولي International Economics: هو أحد الفروع العلمية المرتبطة بعلم الاقتصاد. ويختص الاقتصاد الدولي بدراسة جميع المعاملات الاقتصادية بين الدول. ويتناول بشكل أساسي المبادئ الاقتصادية التي تحكم تبادل السلع والخدمات خاصة بين الدول ذات السيادة.

كما يدخل ضمن دائرة اهتمام علم الاقتصاد الدولي تطورات أسعار الصرف، والاستثمار الأجنبي المباشر، وحركة الاستثمار ورأس المال، والقدرة التنافسية الاقتصادية، وغير ذلك من أمور.

وبصفة عامة يمكن القول إن الاقتصاد الدولي يهتم بدراسة العولمة بمفهوم اقتصادي، أو العولمة الاقتصادية Economic Globalization. ويُقصد بالعولمة الاقتصادية التكامل بين الأسواق العالمية، وتبادل الخبرات والتجارب الاقتصادية بين الدول.

كما يتضمن الاقتصاد الدولي تطبيق مبادئ كلا الاقتصادين الكلي والاقتصاد الجزئي على التجارة الدولية. ومن ثم فإن الاقتصاد الدولي يعمل على سد الفجوة بين هذين الفرعين الرئيسيين لعلم الاقتصاد.

للتعرف على أبرز مجالات اهتمام الدولي -العولمة الاقتصادية- يمكننا إلقاء نظرة على الشكل التالي:

الاقتصاد الدولي (العولمة الاقتصادية)

الشكل رقم (1): الاقتصاد الدولي (العولمة الاقتصادية)

ثانيًا: أهم فروع الاقتصاد الدولي

في إطار التعرف على أهمية الاقتصاد الدولي، تجدر الإشارة إلى أنه، وكما أشرنا من قبل، مجال واسع للدراسة، غير أنه ينقسم إلى فرعين رئيسيين هما:

(1) التجارة الدولية International Trade

  • يختص هذا الفرع بدراسة تدفق السلع والخدمات بين دول العالم. كما يركز على الأسباب وراء هذه العملية وتحديد المبادئ الأساسية ورائها، مثل قانون الميزة النسبية Law of Comparative Advantage.
  • وفي هذا الإطار فهو يتنبأ بأنماط الإنتاج والاستثمار بين الدول في ظل ما يسمى بالاقتصادات المفتوحة Open Economies، حيث تسمح التجارة الدولية للدول بتوسيع أسواقها أمام كل من السلع والخدمات غير المتاحة محليًّا، أو التي تتوفر في الأسواق المحلية بأسعار باهظة.
  • ويهدف هذا الفرع من الاقتصاد الدولي إلى فهم تأثير حركة التجارة الدولية على الأفراد والشركات، كما يدرس تأثير التغير في السياسات التجارية أو الظروف الاقتصادية.
  • ومن هنا تبرز أهمية الاقتصاد الدولي في تعزيز حركة التجارة الدولية بين مختلف دول العالم. ومع التطور المذهل لشبكة الانترنت، أصبحت المعلومات التي تغطي جميع جوانب التبادل التجاري متاحة للجميع، وسهلت بشكل كبير عمليات النقل والتخزين وما إلى ذلك.

(2) التمويل الدولي International Finance

  • وهو أحد فروع علم الاقتصاد الدولي، ويُعرف أحيانًا بعلم الاقتصاد الكلي الدولي International Macroeconomics. ويركز هذا الفرع على دراسة المعاملات النقدية أو تدفقات رؤوس الأموال بين الدول. كما ينظر في تأثير هذه التدفقات على ميزان المدفوعات وأسعار الصرف. كما أن هذا العلم يقيم آثار أنظمة أسعار الصرف المختلفة.
  • وبالإضافة إلى ذلك، يتولى التمويل الدولي إجراء البحوث الخاصة بتمويل المؤسسات الدولية الكبرى، على غرار مؤسسة التمويل الدولية International Finance Corp (IFC) والمكتب الدولي للبحوث الاقتصادية National Bureau of Economic Research (NBER).
  • كذلك يشتمل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على قسم مخصص لتحليل السياسات المتعلقة بتدفق رأس المال الأمريكي والتجارة الخارجية وتطوير الأسواق العالمية.

ومع ذلك، هناك بعض المجالات الأخرى التي يمكن أن تدخل ضمن دائرة اهتمام الاقتصاد الدولي، ومن أبرزها:

  • الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الكلي Microeconomics & Macroeconomics: واللذان يُشكلان أساس الممارسة الاقتصادية. ويمكن أن يساعد فهمهما في فهم كيفية عمل الاقتصاد الدولي الحديث، وكيف يمكن للعولمة أن تؤثر على مختلف الفاعلين والأنظمة الاقتصادية.
  • الشركات متعددة الجنسيات Multinational Corporations: والتي تلعب دورًا رئيسيًّا في حرية حركة رأس المال والعمالة والسلع والخدمات عبر الحدود.

الشكل التالي يوضح أبرز فروع الاقتصاد الدولي ومجالاتها الرئيسية:

فروع الاقتصاد الدولي

الشكل رقم (2): فروع الاقتصاد الدولي

ثالثًا: أهمية الاقتصاد الدولي

تزداد أهمية الاقتصاد الدولي مجالًا للدراسة بسبب الحاجة إلى التكامل السريع للأسواق الاقتصادية الدولية. لقد أدركت الحكومات والشركات والمستهلكون بشكل أكبر أن حياتهم لا تتوقف عند حدود دولهم، وأنهم يتأثرون أيضًا بما يحدث في جميع أنحاء العالم.

وفي الوقت نفسه، أدركت الشركات المحلية أنها بحاجة إلى العمل في ظل سوق تنافسية. وهو الأمر الذي أجبرها على تطوير منتجاتها والإفادة من تطور تكنولوجيا الاتصالات. كما أن هذا التطور في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أسهم بشكل كبير في تقليل تكلفة تقديم الخدمات عالميًّا.

ولهذا السبب تلعب شبكة الإنترنت دورًا كبيرًا في تغيير طبيعة الخدمات والمنتجات.

وبشكل عام، يمكن إبراز أهمية الاقتصاد الدولي في النقاط التالية:

  • تعزيز مكانة الدولة من خلال بناء علاقات اقتصادية مع بقية الدول. حيث تستمد الدولة مكانتها من خلال تخصصها في إنتاج سلعة معينة بتكلفة أقل نسبيًّا، ومن ثم التحكم في السوق. ومن هنا ظهرت أهمية نظرية الميزة النسبية لدافيد ريكاردو، والتي تؤكد على أهمية التخصص في إنتاج السلع ذات التكلفة الأقل -بالنسبة للدولة- وتبادلها مع سلع أخرى.
  • تبادل عوامل الإنتاج والتكنولوجيا والاستثمارات بين الدول. وعادة ما تكون عوامل الإنتاج أقل حركة بين البلدان بسبب القيود المختلفة التي تفرضها الحكومات. لذلك، يُساعد الاقتصاد الدولي في إزالة هذه القيود، ودعم التبادل الاقتصادي بين مختلف الدول.
  • تسهم دراسة الاقتصاد الدولي في توجيه سياسات الحكومات، إما لتعزيز الصادرات أو تقييد الواردات، بهدف تحسين الميزان التجاري المحلي.
  • دعم القوة العسكرية من خلال زيادة حركة التبادل العسكري والإنفاق على المعدات والذخائر.
  • يساعد الاقتصاد الدولي على تدبير واستثمار المزيد من الأموال في المشاريع الكبرى داخل الدولة، تلك المشاريع التي ينتج عنها فائض في الميزانية. وغالبًا ما يكون لهذا الفائض القدرة على تشييد مشاريع كبيرة داخل الدولة لمعالجة قضايا مهمة وكثيرة، مثل البطالة.
  • تسهم دراسة علم الاقتصاد الدولي في فهم الجدل الدائر بين مؤيدي ضرورة رفع القيود على حركة التجارة، وأصحاب الاتجاهات الاقتصادية الداعمة لفرض بعض الدول سياسات حمائية على عدد من منتجاتها لدعم صناعتها المحلية.

– أهمية الاقتصاد الدولي في دراسة تأثير تحرير التجارة على استقلالية الدول

يرى كثير من الخبراء أنه في ظل نظام عالمي تحكمه المصالح الاقتصادية، فإن ذلك من شأنه تهديد استقلالية بعض الدول. وبالتركيز على جانب سياسات الاقتصاد الكلي يمكن القول إن نمو حركة التجارة العالمية بين الدول أسهم في زيادة الترابط بينها.

ولكن، على الجانب الآخر، فإنه أسهم أيضًا في تزايد تحكم الدول الكبرى وسيطرتها على الاقتصاد العالمي بشكل كبير. على سبيل المثال، مع نمو الدخل المحلي للمواطن الأمريكي، فإن زيادة واردات الولايات المتحدة الأمريكية قد تعود بالنفع على شركائها التجاريين.

غير أنه، ومن جهة أخرى، فإن شركاء الولايات المتحدة الأمريكية قد يتضررون أيضًا جراء السياسات الأمريكية المحلية، مثل سياسات التضخم والبطالة.

وهنا يجب التأكيد على أنه، ورغم أهمية التجارة الدولية كمحرك للنمو ودعم الاستقرار الاقتصادي لعدد كبير من الدول، فإنها قد تكون أداة مدمرة لاقتصادات بعض الدول.

وفضلًا عن ذلك قد تكون عاملًا مهمًّا في التأثير على استقلالية بعض الدول، خاصة الدول النامية، وعدم قدرتها على التحكم في قراراتها وحماية مصالحها.

سلبيات تحرير حركة التجارة العالمية

وبالإشارة إلى الفقرة السابقة، يمكن القول إنه رغم تركيز الاقتصاد الدولي على النتائج الإيجابية لتحرير حركة التجارة بين الدول.

لكن لاشك أن تحرير التجارة كان له وجه سيء؛ حيث تسبب في فقدان أعداد كبيرة من العمال لوظائفهم في ظل الإقبال على السلع الرخيصة الثمن والاتجاه نحو التخصص، وهو ما أجج بدوره مشاعر الخوف والإحباط بين شريحة كبيرة من سكان دول العالم المتقدم والنامي.

ولذلك، تزايدت الشكوك بشأن المكاسب المزعومة لتحرير التجارة العالمية، خاصة مع تفجر تساؤلات حول مدى عدالة توزيع مكاسب التجارة بين الدول الغنية والدول الفقيرة.

رابعًا: أمثلة للموضوعات التي يتناولها الاقتصاد الدولي

تتعدد الموضوعات التي يتناولها الاقتصاد الدولي بالدراسة والتحليل، وتختلف في مضمونها بين موضوعات وتحديات دائمة، وأخرى آنية.

وإجمالًا تتعلق جميع هذه الموضوعات بالتكامل الاقتصادي العالمي ومستقبل التجارة الدولية، وما يواجهها من تحديات، مثل الفقر، والأمن الغذائي، والمنافسة المحتدة في ظل العولمة، والأزمات الصحية العالمية وتأثيرها على حركة التجارة العالمية، وارتفاع معدلات التضخم وغير ذلك.

ومن أبرز الموضوعات التي يتناولها الاقتصادي الدولي في الوقت الحالي:

  • التأثر المحتمل للنمو السريع لحركة التبادل التجاري مع الصين والهند على هيكل الإنتاج والأجور في أوروبا.
  • أسباب إخفاق المفاوضات التجارية لجولة الدوحة التي أطلقتها منظمة التجارة العالمية في نوفمبر 2001 بهدف تحقيق مبدأ التجارة الحرة بين دول العالم خاصة للدول الفقيرة.
  • نتائج التكامل النقدي الأوروبي.
  • ما مدى تأثر بريطانيا بقرارها بعدم الانضمام إلى منطقة اليورو
  • كيف امتد تأثير أزمة الرهن العقاري -التي انفجرت في الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 2008- إلى بقية دول العالم.

لذلك، يمكن القول إن أهمية الاقتصاد الدولي تكمن في تعدد موضوعاته التي تمثل تحديات كبرى، كما يتضح من الشكل أدناه:

أبرز موضوعات الاقتصاد الدولي

الشكل رقم (3): أبرز موضوعات الاقتصاد الدولي

تعليق ختامي

مما سبق يمكن القول إن أهمية علم الاقتصاد الدولي لا تقتصر على التركيز على إيجابيات تحرير حركة التجارة والمعاملات الدولية، فهو أيضًا يحاول الوقوف على السلبيات، خاصة فيما يتعلق بعدالة توزيع مكاسب التجارة الدولية بين الدول الغنية والدول الفقيرة.

وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن التخصص والقوة الاقتصادية لبعض الدول تسبب في إلحاق الضرر باقتصادات الدول الفقيرة وفقدان الكثير من العمال لوظائفهم في ظل توحش الرأسمالية العالمية، وهو ما مثل تهديدًا بدوره على استقلالية بعض الدول اقتصاديًّا.

ولعل من أهم التساؤلات التي يطرحها المهتمون بالاقتصاد الدولي في الآونة الأخيرة: هل حقق التكامل النقدي الأوروبي النتائج المرجوة؟. وهل تأثرت بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوروبي ورفضها الانضمام إلى منطقة اليورو؟

الخلاصة

  •  علم الاقتصاد الدولي: هو أحد فروع علم الاقتصاد. ويتناول بشكل أساسي المبادئ الاقتصادية التي تحكم تبادل السلع والخدمات. وبعبارة أخرى يعني بدراسة جميع المعاملات الاقتصادية بين الدول.
  • ويهتم الاقتصاد الدولي بدراسة العولمة بمفهومها الاقتصادي، خاصة في ظل التطورات السياسية والاقتصادية التي مر بها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
  • وقد دفعت هذه التطورات دول العالم إلى السعي نحو تحرير اقتصادها، وإلغاء القيود على حركة رؤوس الأموال والسلع بينها.
  • يمكن تقسيم الاقتصاد الدولي إلى فرعين رئيسيين وهما:
    • التجارة الدولية: تركز على حركة تبادل السلع والخدمات بين الدول وسبل توسيع الأسواق أمام تدفق هذه السلع والخدمات بما يسهم في زيادة حدة المنافسة. كما تتناول التجارة الدولية تأثير التجارة على كل من مستوى الدخل وتوزيعه داخل البلدان وفيما بينها.
    • التمويل الدولي: يختص بدراسة المعاملات النقدية أو تدفقات رؤوس الأموال بين الدول. كما يقيم آثار أنظمة أسعار الصرف المختلفة.
  • أهمية الاقتصاد الدولي:
    • يهدف إلى فهم دور نمو حركة التجارة الدولية في تعزيز مكانة الدول، وإدراك الحكومات والشركات والمستهلكين عبر العالم لأهمية التكامل الاقتصادي بين الدول في تحقيق مصالحهم. وتلعب التكنولوجيا والاتصالات دورًا كبيرًا في تطوير تقديم الخدمات وخفض تكلفتها.
    • يعمل على تبادل عوامل الإنتاج والتكنولوجيا والاستثمارات بين الدول.
    • يسهم فهم مبادئ الاقتصاد الدولي في زيادة القوة العسكرية للدولة وحصولها على احتياجاتها من المعدات العسكرية.
    • يساعد على إنشاء واستثمار المزيد من المشاريع الكبرى داخل الدولة، تلك المشاريع التي ينتج عنها فائض في الميزانية.
    • تسهم دراسة الاقتصاد الدولي في فهم الأسباب وراء بعض الدعوات الحمائية بفرض تعريفات جمركية على بعض الواردات من السلع الأجنبية لحماية الصناعة المحلية.
  • أبرز الموضوعات التي يتناولها الاقتصاد الدولي:
    • تتعلق جميع موضوعات الاقتصاد الدولي بسبل دعم التكامل الاقتصادي العالمي ومستقبل التجارة الدولية، وما يواجهها من تحديات، مثل الفقر، والأمن الغذائي، والمنافسة المحتدة في ظل العولمة، والأزمات الصحية العالمية وتأثيرها على حركة التجارة العالمية، وارتفاع معدلات التضخم.

للمزيد من المقالات ذات الصلة، يرجى متابعة موقع بورصات.