على مر التاريخ، لعب علماء الاقتصاد الإسلامي دورًا بارزًا في إرساء كثير من قواعد المعاملات الاقتصادية المعاصرة. وقد كان للعلماء المسلمين إسهامات عظيمة في شتى مجالات العلوم والمعرفة، ومن أهمها علم الاقتصاد باعتباره أحد أهم العلوم الاجتماعية التي تمس حياة الناس اليومية بشكل مباشر.

ولا يخفى على أحد أن الاقتصاد أو بمعنى أدق “التجارة” كان لها دور كبير في انتشار الإسلام في كثير من بقاع الأرض. فقد ثبت تاريخيًّا أن التجار المسلمين تمكنوا من الوصول إلى كثير من المناطق، في آسيا وإفريقيا وأوروبا.

كما كانت التعاملات التجارية السمحة للتجار المسلمين سببًا في نشر تعاليم الإسلام وازدهار الحضارة العربية الإسلامية، في وقت عانت فيه البشرية من الاضمحلال والعبودية الفكرية.

وهناك الكثير من علماء الفكر الاقتصادي الإسلامي الأوائل، ممن كانت لهم آراء وأفكار عظيمة في مجال الاقتصاد، وهذه الأفكار كانت بمنزلة اللبنات الأولى التي بُني عليها ما يُعرف الآن بـ”الاقتصاد الإسلامي”.

ومن بين أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي نجد أسماء مثل: الفارابي وابن مسكويه وابن سينا وأبو حامد الغزالي والراغب الأصفهاني، وغيرهم. ولعل من أبرز رواد الاقتصاد الإسلامي أيضًا ابن خلدون، والذي يُعد من أوائل من اهتموا بتفسير الظواهر الاقتصادية وتحليلها تحليلًا علميًّا، سواء على مستوى العالم العربي الإسلامي أو على مستوى الغرب.

في هذا المقال سوف نتناول أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي، ونُسلط الضوء على أبرز إسهاماتهم في مجال الاقتصاد، وكيفية معالجتهم لأهم القضايا الاقتصادية المعاصرة. ولكن قبل ذلك يتعين علينا بدايًة أن نقدم تعريفًا مبسطًا لما يعنيه مصطلح الاقتصاد الإسلامي.

أولًا: ما هو الاقتصاد الإسلامي؟

[AdSense-A]

الاقتصاد الإسلامي هو مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية المستوحاة من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. وهي القواعد التي تحكم النشاط الاقتصادي للمجتمع الإسلامي من ناحية، ويمكن تطبيقها بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان من ناحية أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الاقتصاد الإسلامي يختص بمعالجة مشاكل المجتمع الاقتصادية وفق المنظور الإسلامي للحياة.

وبناءً على ذلك فإن الاقتصاد الإسلامي يعد فرع من فروع المعرفة الإسلامية، ولهذا فإن خصائصه لا تختلف عن خصائص الإسلام نفسه.

فمعرفة مقاصد الشريعة الإسلامية والقواعد الفقهية لها تعطينا الخطوط العريضة لوضع السياسات الاقتصادية التي من شأنها أن تحقق العدالة وتضع الخطط التنموية والسياسات العامة للمالية العامة.

ثانيًا: النظام الاقتصادي الإسلامي نظام أخلاقي

لقد تميز النظام الاقتصادي الإسلامي عن غيره من الأنظمة الاقتصادية في العالم بأنه النظام الوحيد الذي اشتمل على معظم أفكار الأنظمة الاقتصادية البناءة التي تهدف إلى تحقيق الفائدة للجميع؛ فالنظام الاقتصادي الإسلامي هو نظامٌ أخلاقي بامتياز، قائم على العدل المساواة ومراعاة الحقوق في المعاملات التجارية والحث على الكسب الحلال.

وقد عمل الإسلام على ضمان الحد الأدنى واللائق في مستوى المعيشة لسائر أفراد المجتمع، وكذلك ضمان عدالة توزيع الدخل والثروة من خلال عدد من الموارد، منها الزكاة والصدقات.

ووفقًا للنظام الاقتصادي الإسلامي، فإن الظواهر والممارسات التجارية السيئة، مثل الغش والربا والاحتكار، تُعد من المحرمات في المعاملات التجارية.

على سبيل المثال، حرم الإسلام الربا وفقًا لما ورد في القرآن الكريم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» (سورة البقرة، آية 278)، واستعاض عنه بمبدأ المشاركة في الربح والخسارة بين رأس المال والعمل في المشروعات الاقتصادية المختلفة.

المرتكزات الأساسية للنظام الاقتصادي الإسلامي

يرتكز النظام الاقتصادي الإسلامي على عنصرين أساسيين، هما:

  • فهم القوانين الاقتصادية المستوحاة من الكتاب والسنة.
  • آليات تنفيذ وتطبيق هذه القوانين بما يتلاءم مع قواعد الشريعة وطبيعة المجتمع الإسلامي.

يمكننا التعرف على مفهوم الاقتصاد الإسلامي وأهدافه ومرتكزاته من الشكل التالي:

ما هو الاقتصاد الإسلامي؟

الصورة رقم (1): ما هو الاقتصاد الإسلامي؟

والآن، وبعد أن عرفنا الاقتصاد الإسلامي وأهم خصائصه، ننتقل بالحديث إلى النقطة الأهم، وهي أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي.

ثالثًا: من هم أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي؟

[AdSense-B]

1- أبو يوسف بن يعقوب بن إبراهيم الأنصاري (113- 182 هـ / 731-798 م)

هو من تلاميذ الإمام أبي حنيفة النعمان، وقد ألف كتابه “الخراج” استجابة لطلب الخليفة العباسي هارون الرشيد بأن يضع له قواعد “مالية الدولة” وفق أحكام الشرع الحنيف، متضمنًا بيانًا بموارد الدولة الشرعية.

لذلك، يُصنف كتاب “الخراج” ضمن كتب النظام المالي الإسلامي، أو ما يسمى في العصر الحديث بـالمالية العامة. ويمكن القول أن هذا الكتاب وضع أسس العدل الاقتصادى، أو ما نسميه بالعدالة الاجتماعية. كما أنه اشتمل على عدة موضوعات حديثة العهد بالفكر الإنساني، مثل التنمية الاقتصادية.

2- الفارابي (260 – 339 هـ / 874 – 950 م): أحد أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي

هو أبو النصر محمد بن طرخان، ولد في فاراب (آسيا الوسطى). ويُعد من أعظم فلاسفة العرب. كما كان ضليعًا في الرياضيات والموسيقى، وكثير من العلوم والمعارف الأخرى.

أما عن أهم مؤلفاته فكان كتاب “آراء أهل المدينة الفاضلة”، الذي حاول فيه أن يعرض رؤيته الاقتصادية لقيام الجماعة واستمرارها. كذلك، أرجع الفارابي أصل المدينة، وبالتالي أصل الدولة، إلى عامل اقتصادي هو تقسيم العمل.

وبذلك حذا ألفارابي حذو أفلاطون إلى حد كبير، حيث إن كل فرد يضطر إلى مشاركة الآخرين والتعاون معهم من أجل إشباع حاجاته. غير أنه ناقض أفلاطون في كثير من الأمور، وخاصة في قضايا شيوعية التملك وشيوعية العائلة، ورد عليه بحجج فلسفية وعلمية.

الشكل التالي يتضمن أبرز آراء ألفارابي في مجال الاقتصاد:

الفارابي وآرائه الاقتصادية

الصورة رقم (2): الفارابي وآرائه الاقتصادية

3- ابن مسكويه (320 – 421 هـ / 932 – 1030 م)

هو أبو علي الخازن أحمد بن محمد بن يعقوب، والملقب بابن مسكويه، وُلد في الري وعاش في أصفهان بإيران.

ورغم أن ابن مسكويه عرف بكونه طبيبًا ومؤرخًا وفيلسوفًا وكيميائيًّا، فإنه تناول المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في مؤلفاته من خلال طرح أخلاقي وديني.

على سبيل المثال، في مؤلفاته “تهذيب الأخلاق” و”الهوامل والشوامل”، ظهر ذلك جليًّا فيما يتعلق بمعالجته لمشكلات توزيع الثروة والتصدي لمشكلة التفاوت الاجتماعي.

كما كان ابن مسكويه من أبرز علماء الاقتصاد الإسلامي الرافضين للطرق غير الشرعية في كسب المال. لذلك نجده يتصدى، في كثير من مؤلفاته، لظاهرة الغش لتحقيق الثروات، وهي الظاهرة التي انتشرت في المجتمعات الإسلامية آنذاك.

4- ابن سينا (370 – 427 هـ / 980 – 1037 م): أبرز علماء الاقتصاد الإسلامي

هـو أبو علي الحسين بن عبد الله بن علي بن سينا، وُلد بالقرب من بخارى في أوزبكستان الحالية. ونظرًا لبراعته في كثير من العلوم والمعارف، لُقب بـ “الشيخ الرئيس”، وأيضًا “المعلم الثالث” (بعد أرسطو والفارابي). وبالرغم من براعته في الطب، فإنه كان معنيًّا بالشأن الاقتصادي، خاصة توزيع الثروة.

وقد تبنى ابن سينا موقفًا من التفاوت الاجتماعي بين الأفراد مستوحى من إشكالية القضاء والقدر؛ حيث ذهب إلى أن القدر هو السبب وراء التفاوت بين الناس في توزيع الثروات، أي أن الغني مُقدر له أن يكون غنيًّا، والفقير بالمثل.

غير أن هذه الأفكار لاقت معارضة واتهامات لابن سينا بمناصرة الحكام على المحكومين.

يمكننا التعرف على آراء ابن سينا الاقتصادية من الشكل التالي:

ابن سينا

الصورة رقم (3): ابن سينا

وكان ابن سينا سباقًا في التطرق إلى قضية الضرائب والفائدة منها، حيث تناول هذه المسألة بالتفصيل مبينًا فوائدها المتمثلة في أخذ حصة من الأغنياء للقيام على المشاريع الاجتماعية والتكفل بالفقراء ودفع الرواتب للموظفين وللجنود.

وتعد مسألة العمل وكسب الرزق من أهم المسائل في الفكر الاقتصادي عند ابن سينا. وهنا نتلمس من كتاباته بدايات لنظرية المنفعة في الاقتصاد الحديث التي ظهرت أواخر القرن التاسع عشر.

مصادر الرزق عند ابن سينا:

  • الوراثة.
  • الكسب.

ومن هذا المنطلق اشترط ابن سينا أن يكون مصدر الكسب مشروعًا، ووصف الكسب عن طريق الغش والسرقة والخداع بأنه من أخطر الجرائم الاقتصادية المهددة للبناء الاجتماعي. كما حارب ابن سينا الأعمال غير المنتجة المحرمة دينيًّا، مثل القمار، ولكن بأسلوب فلسفي اقتصادي .

5- الراغب الأصفهاني (343 – 502 هـ /954 – 1108م):

هو أبو القاسم الحسين بن محمد بن الفضل بن محمد، المعروف بالراغب الأصفهاني، من أهل أصفهان. وهو مفكر إسلامي وحكيم وأديب واسع المعرفة، تعدى عطاؤه الفقه والآداب، ليشمل العديد من العلوم، منها علم الاقتصاد.

ومن خلال مؤلفاته الغزيرة، تعرض الأصفهاني إلى كثير من القضايا الاقتصادية المعاصرة. ومن أهم القضايا التي تطرق إليها:

  • الإنتاج ومجالاته وأهميته.
  • مخاطر البطالة.
  • الإنفاق والاسـتهلاك والنقود.
  • توزيع الثروات والتفاوت الاجتماعي.
  • قيمة المال في حياة الأفراد.
  • أهمية التعاون في العملية الإنتاجية.

على سبيل المثال، أكد الأصفهاني على أهمية التعاون في العملية الإنتاجية. وانطلاقًا من مبدأ التعاون، دعا الأصفهاني إلى التخصص وتقسيم العمل اللذين تناولهما فيما بعد علماء الغرب خاصة “كونت” و”دوركايم” و”كارل ماركس” في كل أعمالهم.

كذلك أبرز الأصفهاني أهمية رأس المال الحقيقي، ممثلًا في الآلات والسلع التي تسهم في إنتاج غيرها. كما كان الأصفهاني سباقًا في تناول ما يسمى اليوم بـ”علم الاجتماع الاستهلاكي” الذي ينسب اليوم إلى العالم الفرنسي المعاصر جان بودريار Jean Baudrillard.

وذهب الأصفهاني إلى أن الإنسان كثير الحاجات والاستهلاك. ومن هنا أراد من خلال كتابه “الذريعة” أن يرشده إلى تربية استهلاكية؛ حتى لا يغلو في الاستهلاك.

6- أبو حامد الغزالي (450 – 505 هـ / 1058 – 1111 م): من أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي

هو أبو حامد محمد بن أحمد الغزالي، أحد أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي على مر العصور. كما اشتهر ببراعته في العديد من فروع العلوم والمعارف الإنسانية، على غرار الفقه والفلسفة والمنطق وعلم الكلام، وكثير من العلوم الأخرى.

تعرض أبو حامد الغزالي بذكاء للمعاملات التجارية، حيث سلط الضوء على العديد من المشكلات التي تشوب العلاقة بين البائع والمشتري. ولابد من الوقوف عند إسهامات هذا العالم في معالجة مشكلات مثل: الربا والغش في الميزان والمضاربة؛

وتجدر الإشارة إلى أنه خصص بابًا كاملًا في كتابه “إحياء علوم الدين” لظاهرة الربا وما يمكن أن ينتج عنه من مخاطر، مستشهدًا بعدد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تحرم الربا. كما دعا إلى تجنب الاحتكار وعدم الغش في المعاملات؛ كأن يخفي البائع عيوب سلعة ما أو يذكر مزايا للسلعة ليست فيها.

كما أكد الغزالي، شأنه شأن بقية العلماء المسلمين، على ضرورة الكسب الحلال، ووضع شروطًا لصحة عقود البيع كأن يكون المشتري أو الطرف الثاني عاقلًا وكامل الأهلية.

بالإضافة إلى ذلك، حدد الغزالي أربعة أنواع للشراكة هي:

  • شراكة المفاوضة: وتكون بنقد وتفويض من الشركاء لبعضهم بالتصرف فيها.
  • شراكة الأبدان: وهو أن يشترك الشركاء في أجرة عمل يقومون به .
  • شـراكة الوجـوه: وهـي التي تقـوم على المشاركة اعتمادًا على سمعة الشركاء فيها، وثقة الناس فيهم .
  • شــراكة العنان: وهي الصحيحة، وهي أن يختلط رأس المال بحيث يتعذر التمييز بينهما إلا بقـسمته، ويأذن كـل شريك لصاحبه في التصرف، ثـم يحكمهما توزيع الربح والخسارة.

7- ابن خلدون (732 – 808 هـ / 1332- 1406م):

هو أبو زيد ولي الدين عبد الرحمن بن محمد، ويُكنى ابن خلدون، أحد أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي على مر العصور. وُلد في تونس، وعاش فيها وفي مصر والمغرب والأندلس، وتجول في كثير من البلدان والمدن الإسلامية. نشأ ابن خلدون في أسرة عريقة العلم، ودرس المنطق والفلسفة والفقه والتاريخ.

ويعد من أوائل الكتاب الاقتصاديين سواءً بالنسبة إلى العالم العربي الإسلامي أو حتى بالنسبة للعالم الأوروبي، الذين اهتموا بتفسير الظواهر الاقتصادية وتحليلها تحليلًا علميًّا.

بالإضافة إلى ذلك، كان ابن خلدون من بين الأوائل الذين ربطوا السلوك الإنساني بالبيئة الاجتماعية للإنسان. كما تطرق إلى مسألة تقسيم العمل باعتبارها أفضل طريقة لتنظيم وزيادة الإنتاج.

كذلك، قدم ابن خلدون العديد من الأفكار الاقتصادية التي سبق بها الغرب، ومن بينها نظريته الخاصة بمفهوم السلعة.

– تقسيم السلع عند ابن خلدون

  • السلع الضرورية: مثل الغذاء واللباس والسكن والدواء وما شابهها.
  • السلع الكمالية: كأدوات الطعام والمراكب وما شابهها.

وأكد ابن خلدون أن الطلب على السلع الكمالية يتوقف على درجة العمران والتطور الاقتصادي والاجتماعي، فمع زيادة العمران والتطور يزداد الطلب على السلع الكمالية وتتحول إلى ضرورة من ضروريات الحياة.

ويمكن أن نلمس هذا التحليل اليوم في أحدث النظريات الاقتصادية الخاصة بقانون العرض والطلب، حيث أدرك ابن خلدون اعتماد العرض والطلب على السوق. ووفقًا لهذا القانون يتحدد ثمن السلعة أو الخدمة.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن ابن خلدون سبق آدم سميث في وضع أسس نظرية القيمة والأثمان، وهي من أدق الأمور في علم الاقتصاد.

الشكل التالي يتضمن أبرز الآراء الاقتصادية التي تبناها ابن خلدون:

آراء ابن خلدون الاقتصادية

الصورة رقم (4): آراء ابن خلدون الاقتصادية

كذلك سبق ابن خلدون ديفيد ريكاردو وهنري جورج في تحليل نظرية الريع التي تنسب لهما اليوم. وقد لاحظ أنه عند وجود دولة محدودة النشاط الاقتصادي فإن أسعار الأراضي والعقارات تكون منخفضة بسبب نقص الطلب على المواد الزراعية، ولكن مع زيادة النشاط الاقتصادي يرتفع الطلب الكلي.

ومن هنا وضع ابن خلدون تحليلًا للريع وقام بتعريفه على أنه الفرق بين ثمن الأرض أو العقار في البداية عند رخصها وثمنها عند زيادة العمران.

بالإضافة إلى ذلك، وعلى غرار غيره من علماء الاقتصاد الإسلامي، اهتم ابن خلدون بالتأكيد على أهمية العمل والإنتاج. كما نظر ابن خلدون الى العمل من زاويتين هما: إنتاج القيم مباشرة أو خزنها، أما الزاوية الثانية فهي إنتاج القيم أيضًا ولكن مع إعادة توزيعها وتبادلها.

رابعًا: علماء الاقتصاد الإسلامي؛ النقطة المُضيئة التي حاول الغرب طمسها

عمد كثير من مفكري وعلماء النهضة الأوروبية اعتبار العلم بكافة فروعه ظاهرة أوروبية، وحددوا البداية منذ عصور المجتمع الروماني واليوناني، وصولًا إلى المجتمعات الأوروبية الغربية في عصرهم، أي عصر النهضة،

بالتالي تجاهلوا في ذلك إسهامات علماء الاقتصاد الإسلامي خلال الفترة من منتصف القرن الثامن الميلادي وحتى نهاية القرن الحادي عشر.

ويمكن القول إن ما توصل إليه علماء الاقتصاد الإسلامي من أفكار قائمة على مبادئ الشريعة الإسلامية، خاصة الأمانة والعدالة في الكسب، كانت كافية إلى حد كبير لضبط المعاملات الاقتصادية البسيطة، رغم أن هذه الأفكار لم تكن تشكل علمًا واقعيًّا في أيامهم.

ومن هنا يجب التأكيد على إسهامات علماء المسلمين في إرساء كثير من مبادئ علم الاقتصاد الحديث، تلك الإسهامات التي عمد علماء النهضة الأوروبية إلى تجاهلها، حيث اعتبروا العلم ظاهرة أوروبية، تبدأ في المجتمع الروماني واليوناني، وتنتهي في المجتمعات الأوروبية الغربية، متجاهلين إحدى أهم الحضارات العالميـة وهـي الحضارة الإسلامية في العصر الوسيط.

ومع ذلك، كثيرًا ما نجد بعض العلماء الغربيين يشيدون بالدور العظيم الذي لعبه العلماء المسلمين في العلوم والمعارف الإنسانية، لا سيما علم الاقتصاد.

على سبيل المثال، وصف المفكر الغربي جورج سارتون Sarton  في كتابه “المدخل إلى تاريخ العلم”، المسلمين من زمن ازدهار الدولة بأنهم عباقرة الشرق في القرون الوسطى، وبأنهم قدموا للحضارة الإنسانية مآثر عظمى.

كما أكد سارتون أن الجانب الأكبر من مهام الفكر الإنساني اضطلع به المسلمون دون غيرهم. وحدث ذلك في زمن القرون الوسطى، والذي كانت فيه أوروبا تعاني من الاضمحلال والتأخر المعرفي.

الخلاصة

  • تناولنا في هذا المقال أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي أو العلماء المسلمين الرواد الذين كانت لهم إسهاماتهم في تأسيس علم الاقتصاد.
  • الاقتصاد الإسلامي هو مجموعة المبادئ والأصول الاقتصادية المستوحاة من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
  • وهذه القواعد هي التي تحكم النشاط الاقتصادي للمجتمع الإسلامي، ويمكن تطبيقها بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان.
  • يختص الاقتصاد الإسلامي بمعالجة مشاكل المجتمع الاقتصادية وفق المنظور الإسلامي للحياة.
  • كان للقرآن الكريم والسنة النبوية دور بارز في قيادة حركة النمو والتقدم في المجتمع الإنساني على جميع أصعدة الحياة.
  • ساهم علماء العرب والمسلمين في وضع أسس الفكر الاقتصادي. كما أسسوا جزءًا هامًّا من مبادئ الاقتصاد الحديث.
  • أشهر علماء الاقتصاد الإسلامي
  • أبو يعقوب بن يوسف الأنصاري:
    • صاحب كتاب “الخراج” الذي يصنف ضمن كتب النظام المالي الإسلامي، والذي أسس لمفهوم العدالة الاجتماعية بمعناها الحديث.
  • الفارابي:
    • صاحب كتاب “آراء أهل المدينة الفاضلة”، حيث أرجع أصل المدينة والدولة إلى عامل اقتصادي هو تقسيم العمل.
  • ابن مسكويه:
    • تناول المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في مؤلفاته من خلال طرح أخلاقي وديني.
  • ابن سينا:
    • اهتم أيضًا بقضايا التفاوت الاجتماعي وتوزيع الثروة. كما أكد على ضرورة العمل لكسب الرزق، وكان سباقًا في التطرق إلى قضية الضرائب.
  • الراغب الأصفهاني:
    • اهتم بالنشاط الإنتاجي ومجالاته وتوزيع الثروة. كما كان سباقًا فـي تناول ما يـسمى اليوم بعلم الاجتماع الاستهلاكي، وأكد على ضرورة عدم الإفراط في الاستهلاك.
  • أبو حامد الغزالي:
    • وتعرض للمعاملات التجارية، وركز على العديد من المشكلات التي تهدد العلاقة بين البائع والمشتري، مثل الربا والغش والمضاربة. كما حدد أربعة أنواع للشراكة.
  • ابن خلدون: أهم علماء الاقتصاد الإسلامي
    • من أوائل الاقتصاديين الذين اهتموا بتفسير الظواهر الاقتصادية وتحليلها تحليلًا علميًّا.
    • قدم ابن خلدون العديد من الأفكار الاقتصادية التي سبق بها الغرب، ومن بينها نظريته الخاصة بمفهوم السلعة.
    • سبق ابن خلدون آدم سميث في وضع أسس نظرية القيمة والأثمان. كذلك سبق ريكاردو وهنري جورج في تحليل نظرية الريع التي تنسب إليهما.

للمزيد من المقالات ذات الصلة، يرجى متابعة موقع بورصات.